مولده :شوال 1330 جيجل الجزائر
وفاته :1419
المصدر:
أحمد بن محمد بن مسعود بن محمد حماني، ولد بدائرة الميلية في آخر أسبوع من شوال سنة ألف و ثلاثمائة و ثلاثين آخر أسبوع من سبتمبر سنة 1915، و بها تعلم القرآن و المبادئ الأولى في الفقه و أصول الدين ( التوحيد)
نزح إلى قسنطينة في فصل الربيع من سنة 1930 فأتم حفظ القرآن بكتاب سيدي أمحمد النجار ثم انخرط في سلك طلبة الإمام عبد الحميد ابن باديس ابتداء من أكتوبر 1931 مدة ثلاث سنوات ( سبتمبر 1934 ) و أتقن بهذه المدة فنون الدراسة الابتدائية، و حضر أول مظاهرة شعبية قادها الشيخ ابن باديس كما حضر بهذه السنة لأول مرة اجتماعا عاما لجمعة العلماء و انخرط فيها كعضو عامل.
ارتحل إلى تونس في أول السنة الدراسية 1934 – 1935 فانتظم في سلك طلبة الجامع الأعظم، و دامت دراسته هناك مدة عشر سنوات ملتزما بالنظام، حصل على الأهلية في 1936، و على شهادة التحصيل في 1940، و على شهادة العالمية في سنة 1943.
كانت صلته بابن باديس في حياته و بجماعته بقسنطينة لم تنقطع، و من هنا عمل بمجلة "الشهاب" ، ثم بجريدة "البصائر" و كتب فيهما، و تحمل مسؤوليات في جمعية العلماء، و شارك في الصحافة التونسية و الجزائرية منذ سنة 1937، و انتخب أمينا عاما في جمعية الطلبة الجزائريين بتونس بجانب المرحوم الأستاذ الشاذلي المكي الذي اعتقل سنة 1940 و تعطلت الدراسة في شهر جوان 1940، فلم تستأنف إلا في شهر أكتوبر فحضر امتحان التحصيل و نجح بالتفوق، ثم جاءه الأمر من جماعة قسنطينة بمواصلة الدراسة العليا و أطاع، فواصل الدراسة بجد في القسم الشرعي و انتهت بحصوله على العالمية في جويلية 1943.
أثناء هذه الفترة تطورت أحداث الحرب العالمية الثانية، و نزل الحلفاء بالجزائر و سابقهم الألمان نزلوا بتونس في نوفمبر 1942 و انقطعت الصلة بين تونس و الجزائر تماما، و تعذر الاعتماد المادي و كان معه بعثة علمية هو مسؤول عنها ماديا و أدبيا، فصار مسؤولا عن خمسة و لم يبخل الشعب التونسي الكريم علينا طيلة وجود الألمان حتى ارتحلوا أو طردوا في ماي 1943.
أثناء وجود الألمان غامرنا بالاتصال معهم مغامرة وطنية مع أنهم قد بدأ احتضارهم و كنا ثلة من التونسيين و الجزائريين، و قد انكشف لنا خبث نياتهم و سوء نظرهم إلى العرب، و تبين أنهم يعتبرون ارض إفريقيا حقا لاستغلال الأوروبيين، و عداوتهم للفرنسيين إنما من اجل هذا الاستغلال، أما العرب فهم كالعدم، و في برقية من "هتلر" إلى بيتان يقول : "نزلت جيوشي بتونس من أجل الاحتفاظ بإفريقيا لأوروبا" ففشلت هذه الاتصالات بهم، و خصوصا هزائمهم في روسيا، و في العلمين.
بعد احتلال تونس ألصقت بنا تهمة الاتصال بالعدو في زمن الحرب، و القي القبض على كثير من الطلبة الجزائريين، فدخلت عالم السرية ابتداء من 1943 و نجوت من العذاب الأليم، ثم قدمت إلى المحاكمة التي وقعت في 20 مارس 1945 بعد تدخل جمعية العلماء و أهل قسنطينة و قدمت رشوات ضخمة أنجت الطلبة الجزائريين و حكم عليهم بالبراءة أو بأحكام خفيفة.
كان الرجوع إلى الجزائر في 30 افريل 1944 في عهد السرية، فلما نزلت بقسنطينة ابتدأت العمل في التربية و التعليم، و كنت كالضمير المستتر لا يبرز رغم أثره العظيم، و رغم أن البحث عني كان ما يزال جاريا بتهمتين: الفرار من الجندية الإجبارية و التعاون مع العدو في زمن الحرب، لكن امتنا الكريمة تستطيع كتمان السر عند الحاجة، و حتى الشرطة فيهم من يكتمه لأن كشفه يفيد العدو، فلما جاء أجل المحاكمة لم يبق مفر من البروز بعد تمهيد الطريق، فوقعت المحكمة بتونس أمام المحاكم العسكرية و نجونا جميعا بالبراءة او بالحكم الخفيف.
و في عهد السر حصلت على الشهادة العالمية في القسم الشرعي، و دخلت القسم الأدبي، و شرعت في الدراسة، ثم قطعتها و رجعت في التاريخ المذكور، و قد سميت مديرا علميا للدراسة في التربية و التعليم، و أهم ما طرأ على الدراسة في هذه المدرسة إنشاء التعليم الثانوي بها، و تخلي المرحوم السعيد حافظ عن إدارتها فخلفه المرحوم الأستاذ / عبد الحفيظ الجنان، أما المدرسة الثانوية فقد عين لمباشرتها الشيخ السعيد حافظ لقسم الإناث، و أحمد حماني لقسم الذكور، ثم داهمتنا أحداث 8 ماي 1945، و صدر الأمر بغلق المدرسة و كل مدارس الجمعية في ولاية الشرق ابتداء من شهر ماي 1945.
عقد مؤتمر من المعلمين و رجال الجمعيات في مارس 1946 بقسنطينة، و قرر عدم الاعتراف بقرار الغلق ووجوب إعادة الحياة للدراسة العربية ابتداء من أول السنة الدراسية، و فتحت المدارس أمام أعين العدو المبهوت، و عدت إلى الإدارة العلمية ابتداء من أكتوبر 1946،ـ و قد عين للإدارة العلمية المرحوم أحمد رضا حوحو، و أنشء قسم ثانوي للبنات و للذكور.
في هذه السنة تكون مؤتمر المعلمين و أنشئت لجنة التعليم العليا لغرض توحيد التعليم الحر ماديا و أدبيا على مستوى الوطن و بعض مدن فرنسا، و قد عينت عضوا في هذه اللجنة التي أنجزن أشياء كثيرة في عقد من السنين، كما أنشأت التفتيش الابتدائي و العام ووحدت الدراسة، و أنشأت الشهادات الفاصلة بين مراحل التعليم، و نفذت البعثات العلمية إلى ثانويات و جامعات مصر.
منذ سنة 1947 تكونت أول ثانوية بالجزائر للتعليم العربي الحر، و عين لإدارتها الشهيد الشيخ العربي، و للأستاذية أبناؤه و إخوانه و منهم أحمد حماني و هو الذي أشرف على تنظيم الدخول فيه، و شارك في تكوين هذه الثانوية، و بقي المشرف على اللجنة العلمية إلى آخر لحظة من حياة المعهد، شهر اوت 1957.
في سنة 1955 أسندت إليه رئاسة لجنة التعليم العليا بعد أن اعتقل كثير من رجالها.
في عام 1946عينته جمعية العلماء كاتبا على مستوى جميع ولايات الشرق، يهتم بالجمعية و شعبها و مدارسها و شؤون التعليم فيها، فقام بالمهمة أحسن قيام.
و في سنة 1951 انتخب عضوا في إدارة الجمعية و أسندت له مهمة نائب الكاتب العام، و دام في هذا المنصب مادامت الجمعية في الوجود.
منذ نشوب حرب التحرير في عام 1954 كان مثل إخوانه يعمل فيها، و كان العمل سرا، و جعلت دار الطلبة من المراكز الأساسية للثورة، و دام هذا إلى يوم ألقي عليه القبض في 11 أوت 1957 بالعاصمة، و أغلقت دار الطلبة و طرد منها سكانها و احتلها العدو، و جعلها من مراكز التعذيب و الاعتقال، و بقي فيها إلى يوم الانتصار سنة 1962.
بعد 27 يوما في العذاب و الانتقال من الجزائر على قسنطينة، زج به في السجن و عذب فيه أيضا و اعتبر من المشوشين، ثم حوكم أمام المحكمة العسكرية فنال الأشغال الشاقة، و نقل إلى السجن المركزي بتازولت "لمبيس"، حيث بقي هناك الى يوم 4 أبريل 1962.
و في تازولت أنشأ مع إخوانه المجاهدين حركة المجاهدين حركة تعليم منظم، و كون طلبة أتم بعضهم دراسته، ثم امتهن في عهد الاستقلال التعليم في الثاويات و صاروا جهازا في ميدان التربية و التعليم، و فيه أيضا دبرت المكائد ضده، و كاد الاغتيال يناله عام 1960 بعد ابتداء المفاوضات، و بسببه وقع الإضراب العام من جميع المساجين بسبب خطبة يوم عيد النحر، فكان سبب سقوط النظام الطاعة "دسبلين"، و نال المساجين حقوق السجن السياسي و صرنا نسمع الإذاعات و نقرأ الصحف، و هذا في 1961.
و بعد الانتصار سمي عضوا في اللجنة المسؤولة عن التعليم في مدينة قسنطينة، و مديرا لمعهد ابن باديس، و فتح أبوابه للتعليم إلى رفع الأمية، فعمر بالصبيان و الشباب الشيوخ و النساء و الرجال.
و بعد تأسيس الحكومة الجزائرية ووقوع الاستفتاء، استدعي من قسنطينة لوظيفة المفتش العام للتعليم العربي، و دام هذا إلى سنة 1963، فلما أسس معهد الدراسة العربية بجامعة الجزائر سمي أستاذا به، و قضى في الجامعة 10 سنوات كاملة من 1962 إلى 1972م.
في سنة 1972م استدعي ليكون رئيسا للمجلس الإسلامي الأعلى، و يعتبر هذا المنصب كمستشار تقني لوزير الشؤون الدينية، و من مهامه تنظيم الدعوة في السجاد و المدن، و إصدار الفتوى، و تمثيل الجزائر و الملتقيات على مستوى العالم الإسلامي أجمع، فقام بهذه المهمة المرحوم "المولود قاسم" ثم من بعده إلى عام 1988 حيث دخل في فترة التقاعد ابتداء من ينار 1989م .و أثناء وجود في هذا المنصب، مثل الجزائر في ملتقيات عالمية بتونس مراران و بليبيل مرتين، و بمصر مرة و بالسعودية مرارا، و بالأفغان، و بالهند،و بسر نديب "سرلنكة" ، و ببلجيكا، و بنواكشوط، و بتشاد و بموسكو، و بإيران، و تناول الكلمة في هذه المجتمعات كلها.
عين في اللجنة المركزية لجبهة التحرير الوطني في اول عهد لحكم الرئيس السابق سنة 1983-1984-1985، إلى أن جاء سيل 1988 الجارف، فجرفه في جملة ما جرف من صالح ما بني أثناء فترة الاستقلال، و حاول طمس دولة الجزائر.
منذ تأسست الدولة الجزائرية، كان متصلا بوزارة الشؤون الدينية يبذل في خدمتها النصيحة و المشورة و الفتوى فيما يسأل عنه : الشعبية منها و الدولية ، ثم عينه الوزير في مجلس الإفتاء و هو يعتبر نفسه مسؤولا أمام الله قبل العباد.
توفي رحمه الله سنة 1998 م
اعتبره الاستعمار الفرنسي خطرا فسجنه، رأى فيه الطرقيون القبوريون تهديدا لنفوذهم فدبروا محاولات لاغتياله، استاء من مواقفه جزائريون كثر، فضايقوه وأساؤوا التصرف معه، واتهموه في دينه ووصفوه بعالم البلاط، كل هذه المواقف وغيرها صنعت صلابة وقوة الشيخ أحمد حماني الذي ظل ثابتا على دينه محبا لوطنه، وأبغض الدنيا الى درجة أنه استحى - مثلما اخبرني ابنه - أن يتصدق بثيابه على الفقراء بعد وفاته لأنه ليس فيها ثوب شهرة ولن يستطيع أحد لبسها لتواضعها..
ولد العلامة الشيخ أحمد حماني بالميلية، ولاية جيجل شمال الجزائر، في سبتمبر 1915 وكان والده فقيه قومه وزعيمهم، تعلم القرآن الكريم بمسقط رأسه وأتم حفظه وأتقن ضبطه بمدينة قسنطينة في بضعة عشر عاما، وعلى عادة المغاربة - كما ذكر ابن خلدون - لم يخلط تعلم القرآن بغيره بل أفرده حتى أتقنه. وفي1931 التحق بمدرسة ابن باديس، وخلال ثلاث سنوات تعلم بالإضافة الى المبادئ الأولية في الدين واللغة من شيخه ابن باديس كما قال هو بنفسه "التزام السنة والتمسك بها والبراءة من البدعة والنفور منها" وكان من الضروري لشخص اختار لنفسه هذا الطريق أن يتزود بالعلم فارتحل في عام 1934 إلى تونس وانخرط في جامع الزيتونة، وفي سنة 1936 نال الشهادة الأهلية بتفوق، ثم نال شهادة التحصيل في سنة 1940 وأخيرا حصل على شهادة العالمية في قسم الشريعة وأصول الدين سنة 1943، وهذا عكس ما كتبه صاحب أعلام الجزائر الذي انفرد بالقول إن الشيخ أحمد اكتفى بالأهلية.
بورقيبة.. وليلة القبض على الشيخ
وأثناء دراسته في تونس كان للشيخ حماني نشاطا وطنيا واحتكاكا بالوطنيين الذين اعتقلهم الحلفاء، ثم لما جاء الألمان إلى تونس سنة 1938 كان حماني ممن شارك في الإتصال بالقيادة العسكرية والسياسية لجبهة التحرير طمعا في الحصول على شيء من الحقوق، وعلق أحمد حماني على هذا الاتصالات قائلا: "لم نفز منهم بطائل سوى إطلاق سراح المساجين وفيهم الرئيس الراحل الحبيب بورقيبة"، ثم كان لهذا الاتصال عواقب وخيمة، فقد اتهمنا بالتفاهم مع العدو زمان الحرب". وبالفعل في 1943 وجد الشيخ حماني نفسه مضطرا لدخول حياة "السر" إذ كان مطلوبا للفرنسيين بتهمتين، الأولى: الفرار من الجندية الإجبارية، والثانية: التعاون مع العدو في وقت الحرب، وعقاب هاتين المخالفاتين ليس أقل من الإعدام. ومنذ وقتئذ بدأت متاعب الشيخ مع السلطات الإستعمارية.. ازدرات مع دخول الشيخ إلى الجزائر في 1944 وبلغت ذروتها مع الاعتقال سنة 1957، ويتحدث الشيخ أحمد حماني عن هذه المرحلة قائلا: "اعتقلت سنة 1957 وكان ذلك في11 أوت، وكنت أربط الاتصال بين الولاية الثانية والمغرب وتونس من جهة وبين القيادة الثورية في الجزائر (لجنة التنسيق والتنفيذ) من جهة أخرى. "وقد ألقي علي القبض متلبسا بالجريمة تحت يدي وثائق رسمية تدينني وبقيت في التعذيب27 يوما من11 أوت حتى 6 سبتمبر، ونقلت إلى قسنطينة من الجزائر بعد 5 أيام من العذاب المتواصل فيها، ثم ألصقت بي تهمة الحرابة وهي تهمة "تأسيس جمعية أشرار، تبيح لهم أن يحكموا على صاحبها بعشرين عاما أشغالا شاقة، وهذه هي التهمة التي كانت تلصق بالثائرين إذا لم يرفعوا السلاح".
"هكذا حاولوا اغتيالي في السجن"
وفي السجن عاش الشيخ أحمد حماني لحظات رعب شديدة، وتعرض لعديد محاولات اغتيال، كان أولها يوم نقله من السجن القسنطيني إلى السجن المركزي بتازولت يوم 6 نوفمبر 1958، حيث يقول المرحوم "تعرضت جسديا إلى أشد أنواع التعذيب فقد أسقطوني على الأرض والتفت حولي جماعة من السجانين، فأدركني سجان مسلم وزأر فيّ أن قُمْ فإنهم سيقتلونك، فتحاملت على نفسي وتخليت عن كل متاعي وفررت منهم بأعجوبة".
الطرقيون في قفص الاتهام
وأخطر تهديد واجهه الشيخ أحمد حماني السجن كان سنة 1959 بعد عيد الأضحى، وذكر الشيخ أحمد حماني أن بعد استشهاد العقيدين عميروش وسي الحواس وبفعل الدعاية الإستعمارية فقد اثر ذلك على معنويات السجناء، ثم جاءت فرصة عيد الأضحى التي استغلها الشيخ احمد حماني المناسبة وأمّ السجناء في الصلاة، في الخطبة الأولى تحدث عن الحج ولكن في الخطبة الثانية عرج على الحدث، وربط بين استشهاد عميروش وسي الحواس، وتحدث بكلام رفع به معنويات السجناء، وأثناء إلقاء الخطبة كان هناك سجان جزائري من عائلة طرقية قبورية اسمه بشتارزي، تلقف كلام الشيخ بحقد أعماه عن هدفه، فور انتهاء الخطبة والصلاة ذهب السجان إلى إدارة السجن بزهو وفي نفسه أنه جاء بشيء يثأر به لبعض ألهته، ذهب إلى إدارة السجن وقال لهم: إن أحمد حماني قال في خطبة العيد تحيا الجزائر البهية، - وهي جملة لم يتلفظ بها الشيخ أحمد في خطبته، ولكن الله عندما يريد أن ينجي عبده يفتح له ثغرة لدى عدوه - فذهبوا به إلى قاعة التعذيب الباردة (السيلون) وأوكلوه إلى سجان يسميه النزلاء "سانجلي" أي خنزير الغابة، ومن لطفه تعالى بعبده أن الفترة كانت صيفا، فدخوله السيلون البارد لم يضره، يتحدث الشيخ في شهادته أن كان في تلك الفترة رغم أنها كانت عصيبة إلا أنه كان يقرأ القرآن، وعندما وصل إلى قوله تعالى "واصبر لحكم ربك" جاءه خبر إضراب عام شنه السجناء اضطرت الإدارة بعده للسماع للشيخ حماني رحمه الله وعند محاكمته كان الشيخ جد مرتاح لأنه نسب له كلام لم يقله، رغم أن الكلام الذي قاله كان أخطر من تلك الجملة التي نسبها له بشتارزي، ثم سأله القاضي هل بينه وبين السجان الذي وشى به عداوة، فقال الشيخ حماني: "عداوة شخصية لا، ولكنه طرقي قبوري وأنا من جمعية العلماء أحارب قبوره" ولم تنته تلك المحنة بنجاة الشيخ حماني، وإنما بنهاية نظام الطاعة في السجون المعروف باسم (ديسيبلين). وللأمانة ذكر الشيخ أحمد أن بشتارزي الذي عوقب غيّر سلوكه بعد ذلك مع الشيخ وصار يعامله بأدب بعد أن كان يضايقه ويعتدي عليه.
عفة عالم.. وزهد فقيه
يجمع كل الذين عرفوا الراحل أحمد حماني فاتفقوا معه أو اختلفوا مع أفكاره أن الرجل كان زاهدا لا تغريه المادة ولا يهتم بها، بل ربى أبناءه على تلك المبادئ والتعاليم، ذكر لي نجله الأستاذ عمر حماني أنه في إحدى زياراته له في سجن لمبيس طلب منه مالا، فناوله فضيلة الشيخ قلما، وكان ذلك رسالة تربوية لطيفة.
بعد الاستقلال عين العلامة أحمد حماني أستاذا في جامعة الجزائر، ولما تأسس المجلس الإسلامي الأعلى في 1966 دعي إلى عضويته، وفي 1972 دعا المرحوم مولود قاسم نايت بلقاسم الشيخ حماني للالتحاق بوزارة الشؤون الدينية وتولي رئاسة المجلس الإسلامي الذي عرف نهضة كبيرة في عهد مولود قاسم، لكن الشيخ اشترط أن يبقى في الجامعة التي لا تأخذ منه سوى 3 ساعات أسبوعيا، وفي نهاية 1973 لما أُنهيت علاقته بالجامعة حزن فضيلته حزنا كبيرا، هذا الحزن مرده أن الشيخ ككل العلماء يرفض أن تكون الفتوى مصدرا لرزقه، ولكن الله حفظ عبده حماني من الزيغ والظلال وظل ثابتا راسخا لا يراقب إلا الله في فتاواه ومواقفه، فكم من موقف اتخذه كان ضد توجهات الدولة، كان من اهمها فتوى بأن صندوق التوفير والاحتياط بنك ربوي، وفتواه الشهيرة بتحريم المشاركة في الرهان الرياضي الجزائري.. إلخ
الشيخ.. والفتنة
بعد الاستقلال واجه العلامة أحد حماني بسبب مواقفه عددا من المضايقات التي لم يأبه بها كان أشدها بسبب كتابه "الصراع بين السنة والبدعة" وكان آخرها فتواه في بداية التسعينيات التي حذر فيها الشباب من التهور وحمل السلاح، لأن ذلك في الشرع "حرابة" وهي نفس الفتوى التي استوردها الشبان الذين تهوروا من الخارج لكن بعد سقوط قرابة 200 ألف قتيل.. هذا وغادر الشيخ أحمد حماني الدنيا غريبا كما جاء وكما يغادرها اناس لم يكن همهم بطونهم وانما أشياء أسمى وأغلى، وفي جلساته الأخيرة مع افراد عائلته كان احد ابناء الشيخ يقرأ أمامه سورة يوسف ولما وصل الى قوله تعالى "فأنساه الشيطان ذكر ربه فلبث في السجن بضع سنين" سأل الشيخ ولده: هاء أنساه على من تعود؟ فأجاب الولد بأنها تعود على ساقي الملك، لكن العالم الرباني صحح له: "تعود على يوسف الذي أوكل أمره لغير الله" هناك فهم الأبناء سر تعفف وزهد وعدم شكوى العلامة أحمد حماني، رحمه الله، رحل عنا تاركا وراءه علوما يٌنتفع بها وأولادا صالحين يدعون له.
مواقف ونوادر الشيخ المرحوم أحمد حماني
اشتهر الشيخ العلامة أحمد حماني رحمه الله بالكثير من المواقف الطريفة والجريئة التي تعكس رقي روحه الخفيفة ونبلها، كما تترجم قوته وإصراره على مواقفه وعلى جسارته عندما يتعلق الأمر بالإسلام والوطن، واحتفظ الكثير من أصدقائه وتلاميذه ببعض هذه المواقف والطرائف في انتظار أن تجمع في كتاب لما فيها من عبر للأجيال.
ذكر الأستاذ محمد الهادي الحسني "ذات مرة ركبت إلى جانبه في الطائرة المتوجهة إلى تبسة، فقلت له: يا شيخ أريد أن أسألك، فرد علي انتظر حتى أكمل قراء مقال عن "الموك" مولودية قسنطينة".
وذكر ذات المتحدث أنه في أحد الاجتماعات الرسمية الخاصة بموسم الحج، سمع الحاضرون صوت المذياع، واستفسر مسير الاجتماع عن هذا الصوت فقيل له "إنه الشيخ حماني يتابع مقابلة مولودية قسنطينة".
عشية عيد الأضحى من سنة 1990 أثارت قضية استيراد الكباش الأسترالية مقطوعة الذنب ضجة إعلامية وسياسية كبيرة، حيث اختلفت الرؤى حول مشروعية استعمالها كأضحية، وطلب من الشيخ أحمد حماني أن يصدر فتوى للإجازة، فأفتى بعدم الجواز، لكن نظرا لخطورة الموقف وتعقيده ونظرا للضغوط الكبيرة التي تعرض لها أصدر فتوى غير واضحة لا تفهم منها الإجازة.
قال الأستاذ محمد الهادي الحسني "في سنة 1980 أرسل لنا سفيرنا في الباكستان محمد العربي دماغ العتروس طبيبا باكستانيا كان يقوم بإنجاز بحث مطول حول المجتمعات الإسلامية في مشارق الأرض ومغاربها، وذلك ليسجل بعض الشهادات عن المجتمع الجزائري، فأرسلناه إلى الشيخ أحمد حماني الذي استقبله في مكتبه، وبعد انتهاء الحديث قال له "أحملك رسالة إلى الشعب الباكستاني، قل له إن الأمة الإسلامية تنتظر القنبلة الذرية الإسلامية في أقرب وقت ممكن".
في إحدى طبعات ملتقيات الفكر الإسلامي المنظمة بمدينة تلمسان، كان هناك مشارك اسمه الدكتور محمد أبو شهبة، يلح دائما أن ينادى بصفة "خادم القرآن والسنة"، وفي إحدى الجلسات نسي منشط الجلسة أن يناديه بهذه الصفة فغضب وراح يحتج، فقال الشيخ حماني وقد تملكه الغضب "ونحن ماذا نخدم إذن إذا كنت وحدك تخدم القرآن والسنة"، وعندما صعد هذا الدكتور إلى المنصة بدأ يتهكم على الشيخ، فما كان من الشيخ حماني سوى الرد في معرض كلامه "هذا الأبو شبهة" وليس "أبا شهبة"، فضحك كل من كان في القاعة.
في إحدى المرات دخل الشيخ أحمد حماني على وزير الشؤون الدينية المرحوم مولود قاسم نايت بلقاسم، واحتدم نقاش حاد بينهما بسبب اختلاف حول مسألة ما، فقال له مولود قاسم "أخرج من مكتبي"، فقال له الشيخ حماني "راك غالط يا سي مولود، إنه ليس مكتب أبيك إنه مكتب الجزائر".
رفض الشيخ أحمد حماني رفضا قاطعا إصدار فتوى تجيز إيداع الجزائريين لأموالهم في الصندوق الوطني للتوفير والاحتياط عندما تم تأسيسه، بل جاهر بحرمة هذا الفعل الذي صنفه في خانة الربا، وأصر على موقفه ذاك رغم كل الضغوط التي تعرض لها أنذاك.
في سنة 1973 قامت المؤسسة الوطنية للمشروبات الغازية بتصنيع نوع من "الجعة" أطلق عليه اسم "مالطا" وكانت لا تحوي إلا جزءا ضئيلا من الكحول، وطلب من الشيخ حماني أن يصدر فتوى تجيز استهلاكها فرفض ذلك رفضا قاطعا.
قال الأستاذ رشيد وزاني "الشيخ حماني كان يمتعض عندما يسمع مخرج حصة "أنت تسأل والمفتي يجيب" الشهيرة وهو يقول باللغة الفرنسية "سنبدأ.. احذر يا شيخ"، وفي إحدى المرات وبعد انتهاء الحصة طلب مني أن أنادي المخرج وهو الأستاذ عمر بن زكة، وعندما أحضرته قال له "يا ابني أنا أعرف أن الكاميرا تشتغل عندما يرى ضوءها الأحمر يشتغل، فلا داعي لتنبيهي في كل مرة".
كان الشيخ أحمد حماني متمسكا بفتوى الشيخ ابن باديس التي حرم بموجبها الزواج بالفرنسيات، وظل يفتي بها بحجة أن الوضع الاجتماعي للجزائر لا يسمح بذلك، وتفاديا للخطورة العقائدية التي قد تقع على الأولاد بعد حدوث زواج الجزائري من فرنسية.
سئل ذات مرة فيما إذا كان شرب الخمر في ليل رمضان يفسد الصوم، فقال "إذا ضمن الشارب ألا يتجاوز وقت الإمساك وهو مخمور لا يفسد صومه فقهيا"، وفي يوم الغد كتبت جريدة المجاهد بعنوان عريض "الشيخ أحمد حماني يجيز شرب الخمر في رمضان".
ذكر الأستاذ الطاهر بن عيشة أنه أقام مناظرة شهيرة مع الشيخ أحمد حماني في المركز الثقافي الإسلامي دامت 03 أيام كاملة، وقد حضرها جمهور غفير، وكانت هذه المناظرة تعقيبا على محاضرة ألقاها بن عيشة حول الشيوعية، وكان الشيخ أحمد حماني يحاول في كل مرة أن يبرز في نطقه أنه "ابن عائشة"، فاغتاظ الأستاذ الطاهر ورد على الشيخ حماني "في هذه الدنيا يوجد اثنان ينسبان لأمهما "الطاهر بين عيشة وعيسى بن مريم".
كان الشيخ أحمد حماني رحمه الله مولعا ولعا شديدا بكرة القدم، حيث كان يتابع باهتمام مقابلات البطولة الوطنية، ووصل به الأمر أنه كان يفتح جهاز التلفاز ليتابع مقابلة وإلى جانبه يضع مذياعين على موجتي القناة الأولى والثانية ليتابع في الوقت نفسه ثلاث مقابلات.
ذكر الأستاذ محمد الصغير بلعلام أن الشيخ أحمد حماني كانت تربطه علاقة وطيدة بالشيخ عبد الرحمان شيبان، حيث طلب منه هذا الأخير عندما كان وزيرا للشؤون الدينية وتحديدا أواخر الثمانينيات إلقاء دروس بمسجد القدس بقلب بلدية حيدرة بالعاصمة، وكان الشباب المفيقهون في كثير من الأحيان يدخلون معه في نقاشات حتى ينال منه الغضب الشديد، كونه يتألم عندما يرى شباب الجزائر يحاججونه بفتاوى ليس لها علاقة بالمجتمع الجزائري، وكان الشيخ شيبان يتدخل ليفك الخلاف في كل مرة.
وذكر ذات المتحدث أن الشيخ أحمد حماني كان ثاني أكثر المتدخلين في ملتقيات الفكر الإسلامي، ومن جملة ما احتفظت به ذاكرته أنه دخل في نقاشات حادة مع الدكتور أبو القاسم سعد الله والدكتور عبد الله شريط، لأنه اختلف معهما في قضية لها علاقة بالوطنية.
سأله شقيقه "عندما نموت، هل ندفنك في العاصمة أم في مسقط الرأس"، فقال الشيخ حماني "لا أريد المشقة للناس".
نجح فضيلة الشيخ أحمد حماني رحمه الله في تربية أبنائه تربية صالحة، حيث أن أبناءه وبناته البالغ عددهم 10 أصحاب مستوى جامعي وأغلبهم أصحاب شهادات عليا، كما أنه معروف بخصلة صلة الرحم وكان يقول دائما "أنا أتعامل مع الناس كما أمرني الدين الإسلامي". ونظرا لمعدنه النفيس ورغم علاقاته والمناصب التي تولاها، إلا أنه مات ولم يترك سكنا ملكا له، حيث أقام طيلة حياته في السكن الوظيفي ///بساحة الشهداء///، ثم انتقل إلى نادي الصنوبر بسبب الوضع الأمني المتردي خلال التسعينيات، وزوجته مازالت تعيش في إقامة الدولة.
عنوان | التاريخ | الاستماع | تحميل |
---|
مواعيد جويلية 2024