خطبة الحث على الأعمال الصالحة الشيخ محمد بن صالح العثيمين

الحث على الأعمال الصالحة
السبت 1 جانفي 2000    الموافق لـ : 24 رمضان 1420
تحميل الخطبة

تفريغ الخطبة

إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ونتوب إليه ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا من يهده الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادي له وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمداً عبده ورسوله صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه ومن تبعهم بإحسان وسلم تسليما

أما بعد

أيها الناس فقد كنتم ترتقبون مجئ شهر رمضان فجاء شهر رمضان ثم خلفتموه وراء ظهوركم وهكذا كل مستقبل للمرء يرتقبه ثم يمر به ويخلفه وراءه حتى يأتيه الموت لقد حل بكم شهر رمضان ضيفاً كريما فأودعتموه ما شاء الله من الأعمال ثم فارقكم شاهداً لكم أو عليكم بما أودعتموه لقد فرح قوم بفراقه لأنهم تخلصوا منه تخلصوا من الصيام والعبادات التي كانت ثقيلة عليهم وفرح قوم بتمامه لأنهم تخلصوا به من الذنوب والآثام بما قاموا به فيه من عمل صالح بالتحضر به وعد الله بالمغفرة والفرق بين الفرحين عظيم إن علامة الفرحين إن والفرق بين الفرحين عظيم إن علامة الفرحين بفراقه أن يعاودوا المعاصي بعده فيتهاونوا بالواجبات ويتجرءوا على المحرمات وتظهر آثار ذلك بالمجتمع فيقل المصلون في المساجد وينقصوا نقصاً ملحوظا ومن ضيع صلاته فهو لما سواها من دينه أضيع إن المعاصي بعد الطاعات ربما تحيط بها فلا يكون للعامل سوى التعب قال بعضهم بياض الحسنة الحسنة بعدها فمن عمل حسنة ثم أتبعها بحسنة كان ذلك علامة على قبول الحسنة الأولى أيها الناس إن عمل المؤمن لا ينقضي بإنقضاء مواسم العمل إن عمل المؤمن دائب لا ينقضي إلا بالموت قال الله تعالى (وَاعْبُدْ رَبَّكَ حَتَّى يَأْتِيَكَ الْيَقِينُ) (الحجر:99) وقال تعالى (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ) (آل عمران:102) فلإن انقضى شهر الصيام وهو موسم عمل فإن زمن العمل لم ينقطع ولان انقضى صيام رمضان فإن الصيام لا يزال مشروعاً ولله الحمد فمن صام رمضان وأتبعه بستة أيام من شوال كان كصيام الدهر وقد سن رسول الله صلى الله عليه وسلم سن صيام الاثنين والخميس وقال ( إن الأعمال تعرض فيهما على الله فأحب أن يعرض عملي وأنا صائم ) وأوصى النبي صلى الله عليه وسلم ثلاثة من أصحابه أوصى أبا هريرة وأبا ذر وأبا الدرداء رضي الله عنهم بصيام ثلاثة أيام من كل شهر وقال صوم ثلاثة أيام من كل شهر صوم الدهر كله وحث على العمل الصالح في عشر ذي الحجة ومنه الصيام وروي عنه صلى الله عليه وسلم أنه كان لا يدع صيام عشر ذي الحجة وقال في صوم يوم عرفة ( يكفر سنتين ماضية ومستقبلة ) يعني لغير الحاج أما الحاج فلا يصوم بعرفة وقال صلى الله عليه وسلم ( أفضل الصيام بعد رمضان شهر الله المحرم ) وقال في صوم يوم العاشر منه ( يكفر سنة ماضية ) وقالت عائشة رضي الله عنها ما كان النبي صلى الله عليه وسلم يصوم في شهر تعني تطوعاً ما كان يصوم في شعبان كان يصومه إلا قليلاً بل كان يصومه كله ولإن انقضى صيام رمضان فإن القيام لا يزال مشروعاً كل ليلة كل ليلة من ليالي السنة حث عليه النبي صلى الله عليه وسلم ورغب فيه وقال ( أفضل الصلاة بعد المكتوبة الصلاة في جوف الليل ) وصح عنه صلى الله عليه وسلم ( أن الله تعالى ينزل إلى السماء الدنيا كل ليلة حين يبقى ثلث الليل الآخر فيقول من يدعوني فأستجيب له من يسألني فأعطيه من يستغفرني فأغفر له ) فاتقوا الله عباد الله وبادروا أعماركم بأعمالكم وحققوا أقوالكم بأفعالكم فإن حقيقة عمر الإنسان ما أمضاه في طاعة الله وإن الكيس من دان نفسه أو حاسبها وعمل لما بعد الموت والعاجز من أتبع نفسه هواها وتمنى على الله الأمان أيها المسلمون لقد يسر الله لكم سبل الخيرات وفتح أبوابها ودعاكم لدخولها وبين لكم ثوابها فهذه الصلوات الخمس أكد أركان الإسلام بعد الشهادتين هي خمس في الفعل وخمسون في الميزان من أقامها كانت كفارة له ونجاة يوم القيامة شرعها الله لكم وأكملها بالرواتب التابعة لها والرواتب التابعة لها اثنتي عشرة ركعة أربع ركعات قبل الظهر بسلامين وركعتان بعدها وركعتان بعد المغرب وركعتان بعد العشاء وركعتان قبل الفجر أعيدها مرة ثانية أربع ركعات قبل الظهر بسلامين وركعتان بعدها وركعتان بعد المغرب وركعتان بعد العشاء وركعتان قبل الفجر من صلاهن بنى الله له بيتاً في الجنة وهذا الوتر سنة مؤكدة سنه رسول الله صلى الله عليه وسلم بقوله وفعله وقال ( من خاف أن لا يقوم من آخر الليل فليوتر أوله ومن طمع أن يقوم من آخره فليوتر آخر الليل فإن صلاة آخر الليل مشهودة وذلك أفضل ) فالوتر سنة مؤكدة لا ينبغي للإنسان تركه حتى قال بعض العلماء إن الوتر واجب يأثم بتركه وقال الإمام أحمد من ترك الوتر فهو رجل سوء لا ينبغي أن تقبل له شهادة والوتر يسير وليس بعسير أقله ركعة وأكثره إحدى عشرة ركعة ووقته من صلاة العشاء الآخرة إلى طلوع الفجر فإذا صلى الإنسان صلاة العشاء الآخرة وصلى الراتبة بعدها وأحب أن يوتر بواحدة فليوتر بواحدة أو بثلاث فليوتر بثلاث أو بخمس أو بسبع أو بتسع أو بإحدى عشرة لكن إن أوتر بخمس أو بسبع فإنه لا يجلس ولا يسلم إلا في آخر ركعة وإن أوتر بتسع جلس عقب الثامنة ثم صلى السابعة فتشهد ثم صلى السابعة وسلم بعد التشهد ومن فاته الوتر في الليل قضاه في النهار تسعاً فإذا كانت عادته أن يوتر بثلاث فنسيه في الليل أو نام عنه صلى في النهار أربع ركعات ففي صحيح مسلم عن عائشة رضي الله عنها أن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا غلبه نوم أو وجع عن قيام الليل صلى من النهار إثنتي عشرة ركعة وهذه الأذكار خلف الصلوات المكتوبة كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا سلم استغفر ثلاثاً وقال اللهم أنت السلام ومنك السلام تباركت يا ذا الجلال والإكرام ومن سبح الله تعالى دبر كل صلاة ثلاثاً وثلاثين وحمد الله ثلاثاً وثلاثين وكبر الله ثلاثاً وثلاثين فتلك تسعة وتسعون فإذا قال تمام المائة لا إله إلا الله وحده لا شريك له له الملك وله الحمد وهو على كل شئ قدير غفرت خطياه وإن كانت مثل زبد البحر وهذا الوضوء من توضأ فأسبغ الوضوء ثم قال أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمداً عبده ورسوله اللهم اجعلني من التوابين واجعلني من المتطهرين فتحت له أبواب الجنة الثمانية يدخل من أيها شاء أعيد مرة ثانية أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له واشهد أن محمداً عبده ورسوله اللهم اجعلني من التوابين واجعلني من المتطهرين إذا قلتها بعد أن أسبغت الوضوء فتحت لك أبواب الجنة الثمانية تدخل من أيها شئت وهذه النفقات المالية من الزكوات والصدقات والمصروفات على الأهل والأولاد حتى على نفسك إذا أسرفت ما من مؤمن ينفق نفقة يبتغي بها وجه الله إلا أثابه الله عليها وإن الله لا يرضى عن العبد يأكل الأكلة فيحمده عليها ويشرب الشربة فيحمده عليها فإذا أكلت فقل بسم الله وإذا انتهيت فقل الحمد لله وهكذا في الشرب تنال بذلك رضى الله عز وجل والساعي على الأرملة والمساكين كالمجاهد في سبيل الله أو كالصائم لا يفطر والقائم لا يفطر والساعي على الأرملة والمساكين هو الذي يسعى بطلب رزقهم ويقوم  بحاجتهم والعائلة الصغار والضعفاء الذين لا يستطيعون القيام بأنفسهم هم من المساكين فالسعي عليهم كالجهاد في سبيل الله أو كالصيام الدائم والقيام المستمر فيا عباد الله إن طرق الخير كثيرة فأين السابقون وإن أبوابها لمفتوحة فأين الداخلون وإن الحق لواضح لا يزيغ عنه إلا الهالكون فخذوا عباد الله من كل طاعة بنصيب فقد قال الله تعالى (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا ارْكَعُوا وَاسْجُدُوا وَاعْبُدُوا رَبَّكُمْ وَافْعَلُوا الْخَيْرَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ) (الحج:77) وأعلموا أنكم مفتقرون لعبادة الله في كل وقت وحين ليست العبادة في رمضان فقط لأنكم تعبدون الله وهو حي لا يموت وليست العبادة في وقت محدد من أعمالكم لأنكم في حاجة لها على الدوام وسيأتي اليوم الذي يتمنى الواحد زيادة ركعة أو تسبيحة في حسناته ونقص سيئة أو خطيئة في سيئاته يقول الله عز وجل (حَتَّى إِذَا جَاءَ أَحَدَهُمُ الْمَوْتُ قَالَ رَبِّ ارْجِعُونِ * لَعَلِّي أَعْمَلُ صَالِحاً فِيمَا تَرَكْتُ كَلَّا إِنَّهَا كَلِمَةٌ هُوَ قَائِلُهَا وَمِنْ وَرَائِهِمْ بَرْزَخٌ إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ) (المؤمنون:99-100) وفقني الله وإياكم لاغتنام الأوقات وعمارتها بالأعمال الصالحات ورزقنا اجتناب الخطايا والسيئات وطهرنا منها بمنه وكرمه إنه واسع الهداية وأحسن الله لنا ولكم العاقبة في الدنيا والآخرة وجعل خير أعمالنا آخرها وخير أعمالنا خواتمها إنه جواد كريم رؤوف رحيم اللهم صلي وسلم على عبدك ورسولك محمد وعلى آله وصحبه أجمعين

الحمد لله على إحسانه وأشكره على توفيقه وامتنانه وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له في ألوهيته وربوبيته وسلطانه وأشهد أن محمداً عبده ورسوله الذي أيده ببرهانه صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه وأنصاره وأعوانه وعلى التابعين لهم بإحسان وسلم تسليما

أما بعد

أيها الناس فإنه لا يخفى علينا جميعاً أنه قد فاتنا يوم من رمضان هذه السنة وأنه يجب علينا قضاؤه لأن الشهر لا يمكن أن ينقص عن تسعة وعشرين يوماً لقول النبي صلى الله عليه وسلم ( الشهر هكذا أو هكذا ) وأشار بيده يعني تسعة وعشرين أو ثلاثين يوماً فلا يزيد على ثلاثين يوماً ولا ينقص عن تسعة وعشرين يوماً فعلينا أن نقضي هذا اليوم لنا أن نقضيه في هذا الشهر أو بعده أو إلى آخر يوم من شعبان لأن وقت القضاء ولله الحمد موسع ولكن لا يجوز للإنسان أن يصوم تطوعاً حتى يؤدي الفريضة لأن الفرض أهم ولا سيما صيام ستة أيام من شوال فإنها لا تصح حتى يصوم الإنسان رمضان كله لقول النبي صلى الله عليه وسلم ( من صام رمضان ثم أتبعه ) فقال من صام رمضان ومن بقي عليه ومن بقي عليه يوم واحد من رمضان لم يكن قد صام رمضان فلمقتضى هذا الحديث لا تصح الأيام الستة من شوال حتى يكمل الإنسان شهر رمضان كاملاً وهذه الأيام الستة يجوز أن يصومها الإنسان متفرقة ومتتابعة ما دام لم يخرج شهر شوال ولكن الأفضل كما قال أهل العلم أن يشرع بها مباشرة وأن يتابعها لأن ذلك من المصارعة إلى الخير والمصادقة فيه فالإنسان لا يدري ما يعرض له في حياته وقد  يعرض له مرض أو سفر أو موت لا يتمكن به من أن يقوم وأعلموا أيها المؤمنون المسلمون أن الله تعالى قد خلقكم لعبادته وأن عبادة الله تعالى لا تنقطع إلا بالموت وأنكم عند موتكم سوف تندمون على ما فرطتم من الأيام والساعات التي تركتموها في غير طاعة الله وأنه ليس للإنسان عمر حقيقة إلا ما أمضاه في طاعة ربه وذكره وأن المؤمنين الخلص هم الذين يذكرون الله قياماً وقعوداً وعلى جنوبهم ذكر الله تعالى دائماً في قلوبهم وعلى ألسنتهم وفي جوارحهم هؤلاء هم المؤمنون الخلص الذين يذكرهم الله عز وجل فقد ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال عن ربه ( إن الإنسان إذا ذكر الله في نفسه ذكره الله في نفسه وإذا ذكره في ملأ ذكره الله في ملأ خير منهم ) اللهم إنا نسألك أن توفقنا لإذانة ذكرك في قلوبنا وألسنتنا وجوارحنا على جنوبنا وقياماً وقعوداً إنك على كل شئ قدير وأعلموا أيها المؤمنون أن خير الحديث كتاب الله وأن خير الهدي هدي محمد صلى الله عليه وسلم وان شر الأمور محدثاتها وأن كل محدثة في دين الله بدعة وأن البدعة مردودة على صاحبها وهو آثم بها قال النبي صلى الله عليه وسلم ( من عمل عملاً غير ) ( من عمل عملاً ليس عليه أمرنا فهو رد ) فأخلصوا العبادة لله وأصلحوا عملكم إتباعاً لرسول الله صلى الله عليه وسلم وأكثروا من الصلاة والسلام على نبيكم فإنه ما جرى لكم خير إلا على يده ولا دلكم أحد على عبادة إلا محمد صلى الله عليه وسلم وحقه علينا أعظم من حقوق الوالدين وحبه في نفوسنا أعظم من حبوب أعظم من محبة أنفسنا اللهم صلي وسلم وبارك على عبدك ونبيك محمد اللهم أرزقنا محبته واتباعه ظاهراً وباطناً اللهم توفنا على ملته اللهم أحشرنا في زمرته اللهم أسقنا من حوضه اللهم أدخلنا في شفاعته اللهم أجمعنا به في جنات النعيم مع الذين أنعمت عليهم من النبيين والصديقين والشهداء والصالحين اللهم ارضا عن خلفائه الراشدين أبي بكر وعمر وعثمان وعلي أفضل أتباع المرسلين اللهم أرضا عن أولاده الغر الميامين وعن زوجاته أمهات المؤمنين وعن الصحابة أجمعين وعن التابعين لهم بإحسان إلى يوم الدين اللهم ارضا عنا معهم وأصلح أحوالنا كما أصلحت أحوالهم يا رب العالمين اللهم أصلح ولاة أمورنا اللهم أصلح ولاة أمورنا اللهم أصلح ولاة أمورنا صغيرهم وكبيرهم اللهم هيئ لهم بطانة صالحة تدلهم على الخير وترغبهم فيه وتحذرهم من الشر وتشينه في رعيهم يا رب العالمين اللهم من كان من بطانة ولاة أمورنا غير ناصح لهم ولا لرعيتهم فأبعده عنهم يا رب العالمين وأدخلهم بخير منه إنك على كل شئ قدير اللهم أصلح المسلمين جميعاً ولاة أمورهم اللهم يسرهم لليسرى وجنبهم العسرة وأغفر لهم في الآخرة والأولى يا رب العالمين ربنا ظلمنا أنفسنا وإن لم تغفر لنا وترحمنا لنكونن من الخاسرين ربنا اغفر لنا ولإخواننا الذين سبقونا بالإيمان ولا تجعل في قلوبنا غلاً للذين أمنوا ربنا إنك رؤوف رحيم اللهم اجعلنا ممن يستمعون القول فيتبعون أحسنه وأجعل صلاتنا هذه كفارة لسيئاتنا ورفعة في درجاتنا ومقربة لنا إليك يا رب العالمين عباد الله إن الله يأمر بالعدل والإحسان وإيتاء ذي القربى وينهى عن الفحشاء والمنكر والبغي يعظكم لعلكم تذكرون وأوفوا بعهد الله إذا عاهدتم ولا تنقضوا الأيمان بعد توكيدها وقد جعلتم الله عليكم كفيلا إن الله يعلم ما تفعلون وأذكروا الله العظيم الجليل يذكركم واشكروه على نعمه يزيدكم ولذكر الله أكبر والله يعلم ما تصنعون