خطبة محاسبة النفس والاتعاظ بسرعة مرور الأيام الشيخ علي بن يحيى الحدادي

محاسبة النفس والاتعاظ بسرعة مرور الأيام
الجمعة 5 جويلية 2024    الموافق لـ : 28 ذي الحجة 1445

تفريغ الخطبة

إِنَّ الْحَمْدَ لِلَّهِ نَحْمَدُهُ، وَنَسْتَعِينُهُ، وَنَسْتَغْفِرُهُ، وَنَعُوذُ بِاللهِ مِنْ شُرُورِ أنْفُسِنَا وَسَيِّئَاتِ أعْمَالِنَا، مَنْ يَهْدِهِ اللهُ فَلاَ مُضِلَّ لَهُ، وَمَنْ يُضْلِلْ فَلاَ هَادِيَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنْ لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللهُ وَحْدَهُ لاَ شَرِيكَ لهُ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ، صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ أَجْمَعِينَ.

أما بعد: فاتقوا الله عباد الله وتأملوا سُرعةَ مرورِ الأيام، وعَجَلةَ انقضاءِ الشُّهورِ والأعوام، حتى لَيكادُ يَصْدُقُ عليها قولُهُ ﷺ ” لَا تَقُومُ السَّاعَةُ حَتَّى يَتَقَارَبَ الزَّمَانُ، فَتَكُونَ السَّنَةُ كَالشَّهْرِ، وَيَكُونَ الشَّهْرُ كَالْجُمُعَةِ، وَتَكُونَ الْجُمُعَةُ كَالْيَوْمِ، وَيَكُونَ الْيَوْمُ كَالسَّاعَةِ، وَتَكُونَ السَّاعَةُ كَاحْتِرَاقِ السَّعَفَةِ الْخُوصَةُ “.

ها نحن نودع عاماً من أعمارنا، بما استودعناه من خيرٍ وشر، وإثمٍ وبِر، وصالحٍ وطالح، مضتْ أيامه سِراعاً ، وتلاشتْ ساعاتُه تِباعاً، وهذا يذكّرنا بسرعةِ انقضاءِ أعمارنِا، وسرعةِ حلولِ آجالنا، فهلْ من مُتَّعِظٍ ومعتبر.

إن العاقلَ هو من يحاسبُ نفسه كلَّ يومٍ محاسبةً دقيقة، وينظرُ في صحيفةِ عمله، فما وجد من خيرٍ حَمِد الله، وما وجد مِن شرٍ تابَ واستغفرَ وأصلحَ قبلَ لقاءِ الله. امتثالاً لقولهِ تعالى ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَلْتَنْظُرْ نَفْسٌ مَا قَدَّمَتْ لِغَدٍ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ ) فمن لوازم التقوى محاسبةُ الإنسانِ لنفسه، كما قال مَيمونُ بنُ مِهْران: “لا يكون الرجل تقيّاً حَتَّى يكونَ لنفسهِ أشدَّ محاسبةً من الشَرِيكِ لشَرِيكه، وحتى يعلمَ مِن أينَ مَلْبَسُه ومَطْعَمُه ومَشْربه، أَمِنْ حلالٍ ذلكَ أمْ مِن حَرام”؟.

إنّ من يحاسبُ نفسَهُ اليومَ، ويستعرضُ صالحَ عملِه وسيئَه، فيثبتَ على الخيرِ ويزدادَ منه، ويتوبَ من الإثم ويقلعَ عنه، سَيهونُ عليه الحسابُ يومَ الحساب، لأنهُ يلقى الله تعالى – إن شاء الله – بسيئاتٍ قد تابَ منها ، وأعمالٍ صالحةٍ قَدَّمها، بخلافِ من استولتْ عليه الغَفْلَة، وطال َأملُه، وساءَ عملُه، وأَسرفَ على نفسهِ، وسَوَّفَ في التوبة، ففاجأه الأجلُ مُثْقَلاً بالخطايا، مفرِّطاً في الواجبات، مُحَمَّلاً بمظالمِ العبادِ في أموالِهم، أو أعراضِهم، أو دمائِهم. فلا يستوي هذا وذاك!.

وما أحسنَ قولِ عمرَ رضي الله عنه «حَاسِبُوا أَنْفُسَكُمْ قَبْلَ أَنْ تُحَاسَبُوا وَزِنُوا أَنْفُسَكُمْ قَبْلَ أَنْ تُوزَنُوا، فَإِنَّه أَهْوَنُ عَلَيْكُمْ فِي الْحِسَابِ غَدًا أَنْ تُحَاسِبُوا أَنْفُسَكُمْ، وتَزَيَّنُوا لِلْعَرْضِ الْأَكْبَرِ “يَوْمَ تُعْرَضُونَ لَا تَخْفَى مِنْكُمْ خَافِيَةٌ»

أقول هذا القول وأستغفر الله لي ولكم من كل ذنب فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم.

الخطبة الثانية

الحمد لله على إحسانه والشكر له على توفيقه وامتنانه وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمداً عبده ورسوله الداعي إلى رضوانه صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً،

أما بعد:

فاتقوا الله عباد الله، واستعدوا للقاء الله بالإيمان الصادق، والعمل الصالح، والتوبةِ من الذنوب، والتحللِ من المظالم، واحذروا من تسويف التوبة، وتسويف العمل الصالح، فلا أضرَّ على العبدِ في دينهِ ودنياه من التسويف، قال بعض السلف : “من استعمل التسويفَ طالتْ حسرتُه يومَ القيامة”  أما من قصّر الأمل، وإذا أصبحَ حدّثَ نفسَهُ أنه لا يمسي، وإذا أمسى حدّثَ نفسه أنه لن يصبح فإنه سيسارع في الخيرات، وسيتباعد عن المنكرات، ومن كان كذلك فاز بخير الدنيا والآخرة.

عباد الله: إن أنفس ما تملكون هو العمر، فأصلحوا ما مضى منه بالتوبة، وأصلحوا ما تستقبلون منه بالنية الصالحة، وأصلحوا اللحظة التي أنتم فيها بفعل الخير واجتناب الشر. فالفائز من استغل عصره أي عمره فيما يقربه من الله، والخاسر من ضيع عصره مفرطاً في جنب الله، قال تعالى:

 بسم الله الرحمن الرحيم (وَالْعَصْرِ . إِنَّ الْإِنْسَانَ لَفِي خُسْرٍ . إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ ]

اللهم أعز الإسلام والمسلمين، وأذل الشرك والمشركين، وانصر عبادك الموحدين، اللهم أمّن حدودنا، وانصر جنودنا، وأصلح أئمتنا وولاةَ أمورِنا. اللهم وفِّق إمامَنا خادمَ الحرمينِ الشريفينِ، ووليَ عهدِه الأمين لما فيهِ عزُّ الإسلامِ وصلاحُ المسلمينَ. ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار.  اللهم اغفر للمسلمين والمسلمات والمؤمنين والمؤمنات الأحياء منهم والأموات، سبحان ربك رب العزة عما يصفون وسلام على المرسلين والحمدلله رب العالمين.