خطبة وداع رمضان الشيخ عبد الرزاق بن عبد المحسن البدر

وداع رمضان
الجمعة 24 جويلية 2015    الموافق لـ : 07 شوال 1436
تحميل الخطبة

تفريغ الخطبة

 وَدَاعُ رَمَضَان

خطبة جمعة بتاريخ / 8-10-1436 هـ

 

إنَّ الحمد لله ، نحمده ونستعينه ونستغفره ونتوب إليه ، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا ، من يهده اللهُ فلا مضلَّ له ، ومن يُضلل فلا هادي له ، وأشهد أن لا إله إلا اللهُ وحده لا شريك له ، وأشهد أنَّ محمداً عبده ورسوله ؛ صلى الله وسلم عليه وعلى آله وصحبه أجمعين .

أما بعد أيها المؤمنون عباد الله : اتقوا الله تعالى ، فإن في تقواه سبحانه سعادة الدارين ، والفوز بالحسنتين ؛ حسنة الدنيا وحسنة الآخرة .

أيها المؤمنون عباد الله : لقد ودَّع المسلمون شهر رمضان المبارك بما حواه من خيراتٍ عظيمة وبركاتٍ جسيمة ، فبينما كان العباد بالأمس القريب يتباشرون بمجيئه ويهنئ بعضهم بعضًا بقدومه ؛ فهاهم الآن قد ودَّعوه ، وهكذا شأن الحياة كلها ، بل وشأن الناس كلهم .

أيها المؤمنون عباد الله : حريٌ بنا وقد ودَّعنا شهر الخيرات أن نحاسب أنفسنا وأن نزِن أعمالنا وأن ننظر في حالنا كيف هي بعد رمضان ، لاسيما عباد الله وكلنا يعلم أن مشروعية الصيام في شهر رمضان المبارك إنما جاءت لحكمة عظيمة وغاية جليلة ومقصد عظيم بيَّنه الله تبارك وتعالى في قوله جل في علاه: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ}[البقرة:183] ؛ فلننظر في أحوالنا ولنتأمل في أعمالنا وما مدى تأثير شهر الصيام علينا .

أيها المؤمنون عباد الله : حديثان عظيمان صحَّا عن رسول الله صلى الله عليه وسلم جدير بنا أن نتأمَّلهما مليًا لاسيما ونحن في هذه الفترة فترة ما بعد رمضان :

v روى الترمذي في جامعه من حديث أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : ((رَغِمَ أَنْفُ رَجُلٍ ذُكِرْتُ عِنْدَهُ فَلَمْ يُصَلِّ عَلَيَّ، وَرَغِمَ أَنْفُ رَجُلٍ دَخَلَ عَلَيْهِ رَمَضَانُ ثُمَّ انْسَلَخَ قَبْلَ أَنْ يُغْفَرَ لَهُ، وَرَغِمَ أَنْفُ رَجُلٍ أَدْرَكَ عِنْدَهُ أَبَوَاهُ الكِبَرَ فَلَمْ يُدْخِلَاهُ الجَنَّةَ)) .

v وروى البزار من حديث أبي هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم صعد المنبر فقال : ((آمِينَ آمِينَ آمِينَ)) ، فقيل «يا رسول إنك حين صعدت المنبر قلت آمِينَ آمِينَ آمِينَ» ؟! فقال عليه الصلاة والسلام : (( إن جِبْرِيلُ أَتَانِي فَقَالَ : من أدرك شهر رمضان ولم يُغفر له فمات فدخل النار فأبعده الله قل آمين فقلتُ آمين ، قال ومن أدرك أبويه أو أحدهما فلم يبرهما فمات فدخل النار فأبعده الله قل آمين فقلتُ آمين ، ومن ذُكرتَ عنده فلم يصلِّ عليك فمات فدخل النار فأبعده الله قل آمين فقلت آمين)) .

في الحديث الأول إخبار منه عليه الصلاة والسلام ، وفي الثاني دعاء من جبريل وتأمين من نبينا الكريم عليه الصلاة والسلام .

أيها المؤمنون : هذان الحديثان العظيمان يحملان بشارة ونذارة :

  • أما البشارة -عباد الله- فهي لمن وفقه الله عز وجل فغنم شهر الخيرات وعرف لرمضان قيمته ومكانته وأقبل فيه على الله عابدًا طائعًا ذاكرًا شاكرًا تائبًا منيبا ، ففاز بخيرات رمضان ولم ينسلخ شهره إلا وقد فاز بالرضوان والغفران ، فتكون حاله من بعد رمضان حالًا طيبة حسنة لأن من ثواب الحسنة الحسنةَ بعدها ، والحسنة تنادي أختها ، ومن علامات القبول عباد الله حسن الحال وطيب الأعمال .
  • وفي الحديثين عباد الله نذارةٌ لمن كان مفرطًا مضيعا حيث أقبل عليه شهر رمضان بخيراته العظيمة وبركاته العميمة فلم ينتفع منه بشيء ولم يحصل منه إقبال على طاعة الله جل وعلا فخرج شهر الخيرات وهو على حاله ، فتكون حاله من بعد رمضان كما هي قبله أو ربما أسوء من ذلك والعياذ بالله . ومن علامات رد العمل وعدم قبوله سوء الحال وشناعة الفعال عباد الله .

فلنتق الله ربنا ولنحاسب أنفسنا ولنزن أعمالنا ؛ فمن كان موفقًا مطيعا فليحمد الله ، ومن كان مفرطا فلا يلومن إلا نفسه ، وليبادر بالتوبة والإنابة إلى الله عز وجل فإنَّ باب العمل متاحٌ كل وقت وحين وباب التوبة مفتوح للعباد ما لم يغادر ويودع العبد هذه الحياة ، فإن العمل عباد الله مهيء للعبد متاح له ما لم يمت كما قال الله سبحانه وتعالى: {وَاعْبُدْ رَبَّكَ حَتَّى يَأْتِيَكَ الْيَقِينُ }[الحجر:99] ، وكما قال الله سبحانه : { يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ }[آل عمران:102] .

أسأل الله الكريم رب العرش العظيم بأسمائه الحسنى وصفاته العليا أن يعفو عنا أجمعين تقصيرنا وتفريطنا وأن يتقبّل منا أجمعين صالح أعمالنا وأن لا يكلنا إلى أنفسنا طرفة عين وأن يهدينا إليه صراطا مستقيما إنه تبارك وتعالى سميع الدعاء وهو أهل الرجاء وهو حسبنا ونعم الوكيل .

 

الخطبة الثانية

الحمد لله حمد كثيرا ، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له ، وأشهد أنَّ محمداً عبده ورسوله ؛ صلى الله وسلَّم عليه وعلى آله وصحبه أجمعين . أما بعد عباد الله : اتقوا الله تعالى ، وراقبوه سبحانه في السر والعلانية والغيب والشهادة مراقبة من يعلمُ أن ربه يسمعُه ويراه .

أيها المؤمنون عباد الله : ولئن انقضى شهر رمضان فإن وقت العمل لم ينقضِ بعد ، بل لا ينقضي العمل إلا بالموت ؛ فليجاهد العبد نفسه ناصحًا لها بحسن التقرب إلى الله سبحانه وتعالى ، وكما أن وقت العمل في رمضان قد انقضى بانقضائه فإن وقت العمل في هذه الحياة ينقضي بالموت ، فليتدارك العبد نفسه بالتوبة إلى الله والإنابة إليه جل في علاه فإنه لا يدري متى يودع هذه الحياة ، والسعيد -عباد الله- من عباد الله من حاسب نفسه ووزن أعماله قبل أن يحاسَب بين يدي الله جل في علاه ، والكيِّس من عباد الله من دان نفسه وعمل لما بعد الموت ، والعاجز من أتبع نفسه هواها وتمنى على الله الأماني .

وصلُّوا وسلِّموا رعاكم الله على محمد ابن عبد الله كما أمركم الله بذلك في كتابه فقال : { إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا } [الأحزاب:56] ، وقال صلى الله عليه وسلم : ((مَنْ صَلَّى عَلَيَّ صَلَاةً صَلَّى الله عَلَيْهِ بِهَا عَشْرًا)) .

اللهم صلِّ على محمد وعلى آل محمد كما صلَّيت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم إنك حميدٌ مجيد ، وبارك على محمدٍ وعلى آل محمد كما باركت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم إنك حميدٌ مجيد . وارضَ اللهم عن الخلفاء الراشدين أبي بكرٍ وعمر وعثمان وعلي ، وارض اللهم عن الصحابة أجمعين ، ومن تبِعهم بإحسانٍ إلى يوم الدين، وعنَّا معهم بمنِّك وكرمك وإحسانك يا أكرم الأكرمين .

اللهم أعز الإسلام والمسلمين ، اللهم انصر من نصر دينك وكتابك وسنَّة نبيك محمد صلى الله عليه وسلم . اللهم انصر إخواننا المسلمين المستضعفين في كل مكان ، اللهم آمنَّا في أوطاننا وأصلح أئمتنا وولاة أمورنا ، واجعل ولايتنا فيمن خافك واتقاك واتبع رضاك يا رب العالمين . اللهم وفق ولي أمرنا لهداك واجعل عمله في طاعتك وسدِّده في أقواله وأعماله يا ذا الجلال والإكرام . اللهم إنا نسألك يا حي يا قيوم يا قوي يا عزيز أن تؤيد جنودنا في الثغور بتأييدك ، وأن تمدهم بنصرك ومعونتك يا حي يا قيوم يا ذا الجلال والإكرام ، وأن تحفظ علينا أمننا وإيماننا وإسلامنا وسلامنا يا رب العالمين .

اللهم آت نفوسنا تقواها وزكها أنت خير من زكاها أنت وليها ومولاها ، اللهم إنا نسألك الهدى والتقى والعفة والغنى ، اللهم اغفر لنا ولوالدينا وللمسلمين والمسلمات والمؤمنين والمؤمنات الأحياء منهم والأموات . ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار . وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين .