مقال الترغيب في تلاوة القرآن الكريم والاستماع إليه الشيخ علي بن يحيى الحدادي

الترغيب في تلاوة القرآن الكريم والاستماع إليه
الجمعة 6 نوفمبر 2020    الموافق لـ : 20 ربيع أول 1442
1.1M
321

إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادي له ، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم تسليما

أما بعد: فاتقوا الله عباد الله، وأقبلوا على كتاب الله تلاوة واستماعاً، فقد كان نبيكم ﷺ يحب تلاوته ويحب الاستماع إليه من غيره، استجلبوا رحمة ربكم بتلاوته وتدبره فالقرآن رحمة كما قال تعالى (وإنه لهدى ورحمة للمؤمنين) ، واستشفوا بتلاوته من أمراض الأجساد والقلوب فالقرآن شفاء كما قال تعالى {وَنُنَزِّلُ مِنَ الْقُرْآنِ مَا هُوَ شِفَاءٌ وَرَحْمَةٌ لِلْمُؤْمِنِينَ} ، واستنيروا به من ظلمات الجهل والهوى والفتن فالقرآنُ نورٌ وهدى كما قال تعالى  { يَاأَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جَاءَكُمْ بُرْهَانٌ مِنْ رَبِّكُمْ وَأَنْزَلْنَا إِلَيْكُمْ نُورًا مُبِينًا} .

أحيوا بالقرآن أرواحكم وقلوبكم فالقرآن روحٌ وحياة قال تعالى {وَكَذَلِكَ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ رُوحًا مِنْ أَمْرِنَا مَا كُنْتَ تَدْرِي مَا الْكِتَابُ وَلَا الْإِيمَانُ وَلَكِنْ جَعَلْنَاهُ نُورًا نَهْدِي بِهِ مَنْ نَشَاءُ مِنْ عِبَادِنَا وَإِنَّكَ لَتَهْدِي إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ}

وتاجروا به مع ربكم فهو التجارة الرابحة قال تعالى {إِنَّ الَّذِينَ يَتْلُونَ كِتَابَ اللَّهِ وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ وَأَنْفَقُوا مِمَّا رَزَقْنَاهُمْ سِرًّا وَعَلَانِيَةً يَرْجُونَ تِجَارَةً لَنْ تَبُورَ (29) لِيُوَفِّيَهُمْ أُجُورَهُمْ وَيَزِيدَهُمْ مِنْ فَضْلِهِ إِنَّهُ غَفُورٌ شَكُورٌ} ومن التجارة الرابحة أن للتالي بكل حرف حسنة والحسنة بعشر أمثالها وقد أجمع أهل العلم على أن القرآن فيه أكثرُ من ثلاثمائةِ ألفِ حرف. فانظر مقدار ما تُقدم في صحيفتك من الحسنات عند تلاوتك صفحة أو سورة أو ختمة كاملة.

واطلبوا بالقرآن الشرف والرفعة والذِّكْرَ الحسنَ الجميلَ في الدنيا والآخرة قال تعالى { لَقَدْ أَنْزَلْنَا إِلَيْكُمْ كِتَابًا فِيهِ ذِكْرُكُمْ أَفَلَا تَعْقِلُونَ} وقال ﷺ : “إن الله يرفع بهذا الكتاب أقواماً ويضع به آخرين” رواه مسلم. أي يرفع الله به من آمن به وتلاه وعمل بما فيه، ويخفض به من أعرض عنه.

إخوة الإيمان:

إن المؤمن طيّب ولكنه إذا تلى كتاب الله كان أكثر طيباً، وأطيبَ عند الله ريحاً قال ﷺ ” مَثَلُ الْمُؤمِنِ الَّذِي يَقْرَأُ الْقُرْآنَ كَمَثَلِ الأُتْرُجَّةِ، رِيحُهَا طَيِّبٌ وَطَعْمُهَا طَيِّبٌ؛ وَمَثَلُ الْمُؤْمِنِ الَّذِي لاَ يَقْرَأُ الْقُرْآنَ كَمَثَلِ التَّمْرَةِ، لاَ رِيحَ لَهَا وَطَعْمُهَا حُلْوٌ ” الحديثَ. متفق عليه.

عباد الله:

إن كثيراً من الموحدين يوم القيامة يستحقون النار بذنوبهم فينقذهم الله منها بشفاعة الشافعين، فأكثروا من تلاوة القرآن فإنه من الشفعاء يوم القيامة لأصحابه قال ﷺ «اقْرَءُوا الْقُرْآنَ فَإِنَّهُ يَأْتِي يَوْمَ الْقِيَامَةِ شَفِيعًا لِأَصْحَابِهِ، اقْرَءُوا الزَّهْرَاوَيْنِ الْبَقَرَةَ، وَسُورَةَ آلِ عِمْرَانَ، فَإِنَّهُمَا تَأْتِيَانِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ كَأَنَّهُمَا غَمَامَتَانِ، أَوْ كَأَنَّهُمَا غَيَايَتَانِ، أَوْ كَأَنَّهُمَا فِرْقَانِ مِنْ طَيْرٍ صَوَافَّ، _أي تظله من فوق رأسه_ تُحَاجَّانِ عَنْ أَصْحَابِهِمَا، اقْرَءُوا سُورَةَ الْبَقَرَةِ، فَإِنَّ أَخْذَهَا بَرَكَةٌ، وَتَرْكَهَا حَسْرَةٌ، وَلَا تَسْتَطِيعُهَا الْبَطَلَةُ» رواه مسلم

إخوة الإسلام: إن القرآن غالٍ ثمينٌ نفيسٌ لا تقاسُ به كنوزُ الدنيا ولا أموالُها، حتى جعلَ النبيُّ ﷺ الآيةَ الواحدةَ يتعلمُها المؤمنُ ويتلوها خيراً له من ناقةٍ عظيمةٍ سمينةٍ في بطنها ولد، قال ﷺ ” أَيُحِبُّ أَحَدُكُمْ إِذَا رَجَعَ إِلَى أَهْلِهِ أَنْ يَجِدَ فِيهِ ثَلَاثَ خَلِفَاتٍ عِظَامٍ سِمَانٍ؟» قُلْنَا: نَعَمْ، قَالَ: «فَثَلَاثُ آيَاتٍ يَقْرَأُ بِهِنَّ أَحَدُكُمْ فِي صَلَاتِهِ، خَيْرٌ لَهُ مِنْ ثَلَاثِ خَلِفَاتٍ عِظَامٍ سِمَانٍ» رواه مسلم قال أهل العلم: ذكرَ النبي ﷺ هذه المقارنة على سبيل التمثيل والتقريب للفهم وإلا فجميع الدنيا أحقرُ من أن يُقابلَ بمعرفة آية من كتاب الله أو بثوابها من الدرجات العلى.

رزقني الله وإياكم حب القرآن، وتلاوته وتدبره والعمل به مع الصدق والإخلاص، وجنبني وإياكم الغلوَّ فيه والجفاءَ عنه إنه سميع الدعاء، أقول هذا القول وأستغفر الله لي ولكم من كل ذنب فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم.

الخطبة الثانية

الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين نبينا محمد وعلى آله وصحبه ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.

أما بعد: فاتقوا الله عباد الله، واعمروا أوقاتكم وبيوتكم بتلاوة القرآن الكريم، ولْتكونوا قدوةً صالحةً لزوجاتكم وأبنائكم وبناتكم في الحرص على تلاوة القرآن والعناية به، إن القرآن كتاب مبارك، أي كثير الخير والبركة، فلا تحرموا أنفسكم وبيوتكم من خيره وبركته.

عباد الله:

إن من رحمة الله ولطفه أنه مع كثرة الصوارف والشواغل وضعفِ الهمم فقد يسر الله تلاوة القرآن والاستماعَ إليه في هذا الزمان أكثرَ من أي زمان مضى، فلا تكاد تخلو هواتفنا من نسخة أو أكثرَ من تطبيقات المصحف الشريف، ويسّر الاستماع إليه عبر الإذاعات والقنوات ووسائل التواصل كذلك تيسيراً كبيراً. ولكنّ المسألة هي في توفيق الله للمسلم والمسلمة أن يجعل منها وسيلةَ اشتغالٍ بالقرآن، لا وسيلةَ انشغال عن القرآن، كما هو حالُ وواقعُ أكثر الناس.

أسأل الله تعالى أن يحييَ بالقرآن قلوبَنا، ويشرح به صدورنا ، ويبارك به أعمارنا، ويصلح به أحوالنا، وأن يجعلنا من أهل القرآن العاملين به إنه جواد كريم. اللهم أعز الإسلام والمسلمين وأذل الشرك والمشركين واجعل هذا البلد آمناً مطمئناً وسائر بلاد المسلمين. اللهم وفق إمامنا خادم الحرمين الشريفين وولي عهده الأمين إلى ما تحب وترضى وخذ بنواصيهم للبر والتقوى. ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار. اللهم صلِّ وسلم وبارك على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.