مقال هل مِن السُّنن المهجورة تبشير الكافر بالنار عند المرور بقبره؟ الشيخ عبد القادر بن محمد الجنيد

هل مِن السُّنن المهجورة تبشير الكافر بالنار عند المرور بقبره؟
الأحد 28 مارس 2021    الموافق لـ : 14 شعبان 1442

هل مِن السُّنن المهجورة تبشير الكافر بالنار عند المرور بقبره؟

السؤال: [ انتشرت رسائل فيها: "أن مِن السُّنن المهجورة تبشير الكافر بالنار عند المرور بقبره". لحديث: (( حيثما مررت بقبر مشرك فبشره بالنار )). فهل هذه الرسالة صحيحة. ]

الجواب:

لا يُسَن من الناحية الفقهية لِمَن مرَّ بقبر كافر أنْ يُبشره بالنار. ولا يصح أيضًا مِن الناحية الحديثية الحديث المذكور في تبشير الكافر بالنار.

أمَّا مِن الناحية الفقهية:

فقد أشار العلامة الألباني - رحمه الله - في "السلسلة الصحيحة" (١/ ٥٧ - رقم: ١٨):
إلى أن عامة كتب الفقه قد أغفلت هذا الاستحباب فلم تذكره.
وأول من وقفت عليه ذكر ذلك:
الفقيه الحجاوي - رحمه الله - في كتابه "الإقناع" (١/ ٢٣٧)، وهو من أهل القرن العاشر الهجري.

وأمَّا مِن الناحية الحديثية:

فقد أخرج الطبراني في "المعجم الكبير" (٣٢٦)، وابن السني (٥٩٥)، والبزار (١٠٨٩):
من طريق إبراهيم بن سعد، عن الزّْهري، عن عامر بن سعد، عن أبيه سعد بن أبي وقاص - رضي الله عنه - أن النبي ﷺ قال:
(( حيثما مررت بقبر مشرك فبشره بالنار ))
وهو حديث ضعيف لا يصح عن النبي ﷺ .
لأن الصحيح:
أنه مُرسَل عن الزّْهري - رحمه الله -.
ومراسيل الزُّهري مَن أضعف المراسيل، كما نص على ذلك غير واحد مِن الأئمة.
وقد صحح إرساله بعض أكابر أئمة الحديث ونُقاده:
١ - كأبي حاتم الرازي في"العلل" (٥/ ٦٩٢-٦٩٣ - رقم:٢٢٦٣).
٢ - والدارقطني في "العلل" (٤/ ٣٣٤ - رقم: ٦٠٧).
وقال الحافظ ابن كثير - رحمه الله - في "البداية والنهاية" (٢/ ٤٢٧):
"غريب، ولم يُخرجوه مِن هذا الوجه".اهـ
وقال العلامة ابن باز - رحمه الله -:
"لا اعرف له طرقًا صحيحة".اهـ
وقال مرَّة: "لِيُّن".اهـ

قلت:
وقد حصلت في إسناد هذا الحديث اختلافات ثلاثة:

الاختلاف الأول:
رواه:
إبراهيم بن سعد عن الزُّهري موصولًا، كما تقدَّم.
وخالفه:
مَعْمَر بن راشد.
فرواه عن الزُّهري، مرسلًا.
كما في "مصنف عبد الرزاق" (١٩٦٨٧).
ومَعْمَر بن راشد مَن أثبت الناس في حديث الزُّهري، وأضبطهم له.
فهو مِن الطبقة الأولى مِن تلامذته.
بل ذهب بعض الأئمة إلى:
أنه أثبت الناس في حديث الزُّهري.
وأمَّا إبراهيم بن سعد:
فقد قال عنه الحافظ صالح جزرة - رحمه الله -:
"سماعه مِن الزُّهري ليس بذاك، لأنه كان صغيرًا حين سمع مِن الزُّهري".

الاختلاف الثاني:
أشار الإمام الدارقطني - رحمه الله - في كتابه "العلل" (٦٠٧) إلى:
أن تلامذة إبراهيم بن سعد قد اختلفوا عليه فيه.
فمنهم مَن وصله، ومنهم مَن أرسله.
ثم صوَّب المرسل.

الحال الثالث:
هذا الحديث رواه ابن ماجه (١٥٧٣):
مُن طريق، يزيد بن هارون، عن إبراهيم بن سعد، عن الزُّهري، عن سالم، عن ابن عمر، عن النبي ﷺ.
وهذا اختلاف آخر على إبراهيم بن سعد
وهو:
في صحابي الحديث.
لكن قيل:
أن هذا الإسناد خطأ.
وصوابه:
عن إبراهيم بن سعد، عن الزّْهري، عن عامر، عن أبيه سعد بن أبي وقاص.
لأن أكثر تلامذة يزيد بن هارون:
قد رَووه مِن حديث سعد، وليس من حديث ابن عمر.

تنبيه:
جاء نحو هذا الحديث:
عند ابن حبان (٨٤٧)، مِن حديث أبي هريرة - رضي الله عنه - مرفوعًا بلفظ:
(( إذا مررتم بقبورنا وقبوركم من أهل الجاهلية، فأخبروهم أنهم في النار )).
وإسناده ضعيف جدًا.

أجاب عن هذا السؤال: عبد القادر الجنيد.