مولده :710 هـ
وفاته :4 ذي الحجة سنة 771 هـ بتلمسان
المصدر:
هو محمَّد بن أحمد بن علي الشريف الإدريسي(١)، وكنيته أبو عبد الله، ولقبه وشهرته الشريف التلمساني، ويعرف ـ أيضًا ـ بالعلْوي، واشتهر بذلك نسبة إلى قرية من أعمال «تلمسان» تسمى «العلوين»، كما يُعرف بأبي عبد الله الشريف(٢)، ويكتفى تارة بلفظ «الشريف»(٣)، وكثيرًا ما كان أهل عصره ومن بعدهم ينعتونه ببعض الألقاب بحسب الاعتبار الفقهي أو العلمي أو الأصولي أو بعض مؤلفاته: ﮐ «الإمام» أو «الشيخ» أو عبارة «صاحب المفتاح»(٤) أو «شارح الجمل للخونجي»(٥).
ونسبة التلمساني إلى مدينة «تلمسان»(٦) Tlemcen الواقعة في الغرب من القطر الجزائري، تبعد عن عاصمة الجزائر ﺑ ٥٤٠ كلم.
أصل الشريف التلمساني ومولده:
يعتزُّ أبو عبد الله التلمساني بأصله الشريف، فأصله راسخ في النسب لا يُدْفَع في شرفه، فهو معروف بالإدريسي: نسبة إلى إدريس بن عبد الله بن حسن، وهو أول من دخل المغرب(٧)، ومعروف بالحسني: نسبة إلى الحسن بن علي بن أبي طالب، حفيد النبي صلَّى الله عليه وسلَّم، وقد وُجد نسبه بخط ولده أبي محمَّد عبد الله الشريف متسلسلًا على الوجه التالي:
«أبو عبد الله محمَّد بن أحمد بن علي بن يحيى بن علي بن محمَّد بن القاسم ابن حمود بن علي بن عبد الله بن ميمون بن عمر بن إدريس بن عبد الله بن حسن ابن الحسن بن علي بن أبي طالب رضي الله عنهما»(٨).
قال عبد الرحمن بن خلدون: «وكان أهل بيته لا يدافعون في نسبهم، وربما يغمز فيه بعض الفجرة ممَّن لا يزعه دينه ولا معرفته بالأنساب، فيعد من اللغو ولا يلتفت إليه»(٩).
أمَّا مولده فقد تعارضت أقوال المترجمين والمؤرِّخين لحياة الشريف التلمساني على قولين:
القول الأول: أنه ولد سنة عشر وسبعمائة (٧١٠ﻫ)، وهو ما عليه الجمهور(١٠)، ورجَّحه أبو العباس الونشريسي بقوله: «هذا هو الصحيح في ولادته»(١١).
القول الثاني: أنه ولد سنة ست عشرة وسبعمائة (٧١٦ﻫ)، وهو ما ذكره أبو زكريا السراج(١٢) والمسيلي.
وفي تقديري أنَّ مذهب الجمهور أقوى لجملة من المرجِّحات تظهر فيما يلي:
ـ ما ذكره ابن خلدون ـ وهو أحد طلبة المترجم له ـ قال: «وأخبرني رحمه الله أنَّ مولده سنة عشر»(١٣)، ولا يخفى أنَّ الشخص أعرف بنفسه وأعلم بأحواله وتواريخ حياته.
ـ ولأن ما أخبره به نقله عن شيخه مباشرة من غير واسطة فشهادة تلميذه مقدمة على غيره.
ـ ولأنه ورد في جزء لبعض التلمسانيِّين(١٤) وقف عليه أبو العباس الونشريسي، وفيه أنَّ تاريخ ولادته سنة عشر وسبعمائة(١٥).
ـ ولأنه ليس للمخالفين دليل يُتمسَّك به لإثبات ما ذهبوا إليه.
أسرة الشريف التلمساني:
ينتسب أبو عبد الله الشريف إلى أسرة علم وتقوى وشرف ونباهة ونبل وصلاح وحسن تديُّن، قال الحجوي: «بيتهم بيت علم خصت تراجمهم بالتآليف»(١٦)، وقال الحفناوي: «وبيته مجتمع العلماء والصلحاء»(١٧).
ويظهر ذلك جليًّا فيما يلي:
ـ أنَّ أباه أبا العباس أحمد كان شيخًا فقيهًا جليل القدر وجيهًا عدلًا، قال أبو زكريا السراج: «أبو عبد الله ابن الشيخ الفقيه الجليل الوجيه العاقل العدل المبرِّز أبي العباس»(١٨)، وقال ناسخ «مثارات الغلط»: «محمَّد بن العدل أبي العباس أحمد»(١٩).
ـ خاله عبد الكريم، فقد كان ذا وجاهة ويسار، ومن أهل العفة والصلاح، محبًّا للعلم وأهله، حريصًا على مجالس العلم والعلماء(٢٠).
ـ أمَّا حياته الزوجية، فإنَّ هذا الجانب من ترجمة الإمام يكتنفه شيء من الغموض، إذ إن المترجمين لحياته لم يتعرضوا لهذا الجانب بالتجلية، غير أنه يُلْتَمَسُ في ثنايا أخبارهم بين الفينة والأخرى تلميحٌ بأنَّ زوجته الأولى كانت شريفة(٢١)، وأنَّ السلطان أبا حمو موسى الزياني زوَّجه ابنته(٢٢) وهي زوجته الأخرى(٢٣).
وأمَّا أولاده فمن أشهرهم:
ـ أبو محمَّد عبد الله بن محمَّد بن أحمد بن علي الشريف الإدريسي الحسني التلمساني.
ـ أبو يحيى عبد الرحمن بن محمَّد بن أحمد بن علي الشريف الإدريسي الحسني التلمساني.
نشأة الشريف التلمساني:
وُلد أبو عبد الله الشريف وسط أسرة عربية أصيلة وشريفة، حيث إن مرد نسبه إلى الحسن بن علي بن أبي طالب رضي الله عنهما ـ على ما تقدَّم ـ واتسمت هذه الأسرة بالعلم والنباهة والوجاهة وحسن التدين.
وفي كنف هذه البيئة الخصبة وتحت رعاية خاله عبد الكريم وحرصه الشديد عليه نال أبو عبد الله الشريف حظَّه من التربية والتعليم في سنٍّ مبكِّرة، فساعده ذلك على تنمية مواهبه الفكرية وقدراته الذهنية، الأمر الذي مَهَّد أمامه آفاقًا فسيحة تبشِّر بغد مشرق بالعلم والمعرفة.
وكان الأمراء الزيانيون يُولون أهل العلم رعايةً خاصَّةً فأسَّسوا المدارس وأنشئوا المكتبات العامة، ومنحوا الطلبة ما يساعدهم على تحمل أعباء دراستهم، كلُّ ذلك كان له أثر مهمٌّ في بعث الحركة الفكرية وميول الكثير من الطلبة إلى طلب العلوم المختلفة من عقلية ونقلية وإتقانها، فقد كانت تلمسان في عهد الزيانيين مركزًا ثقافيًّا هامًّا، وبلد إشعاع علمي يضاهي أهم مراكز المغرب الثقافية، وفي وسط هذا المناخ العلمي المناسب نشأ أبو عبد الله الشريف وترعرع، محبًّا للعلم مُجِدًّا في طلبه، يساعده ذكاؤه الوقَّاد وإرادته الجِدِّيَّة، ويدفعه حرص شديد ورغبة أكيدة صادقة في اكتساب المعارف العلمية المختلفة والتبحر فيها، سالكًا في ذلك هدي العلماء العاملين، ومقتديًا بهم سلوكًا وأخلاقًا.
وفاة الشريف التلمساني:
بعدما استقرَّ أبو حمو الثاني بتلمسان، استدعى في أول إمارته أبا عبد الله الشريف التلمساني من «فاس» فسرَّحه القائم بالأمر يومئذ الوزير عمر بن عبد الله، وتلقاه أبو حمو براحتيه وبنى له مدرسة(٢٤)، وكلَّفه بتدريس العلم فيها، فأقام الشريف يبث فيها العلم من خامس شهر صفر (٧٦٥ﻫ)، فختم تفسير القرآن، وبقي ينشر العلم إقراءً وتأليفًا ونسخًا، ولما كانت سنة وفاته وصل في التفسير إلى قوله تعالى: ﴿يَسْتَبْشِرُونَ بِنِعْمَةٍ مِنَ اللهِ وَفَضْلٍ﴾ [آل عمران: ١٧١]، فمرض ثمانية عشر يومًا، ثمَّ مات ليلة الأحد رابع ذي الحجة سنة إحدى وسبعين وسبعمائة (٧٧١ﻫ)(٢٥)، فرثاه الفقيه أبو علي حسن بن إبراهيم بن سبع بقصيدة طويلة، وتأسَّف السلطان أبو حمو لموته أكثر من سواه، فكثيرًا ما كان يرسله سفيرًا إلى المغرب وتونس، فحضر جنازته وأمر أن يُدفن عند قبر والده أبي يعقوب بالمدرسة اليعقوبية(٢٦)، وأرسل أبو حمو إلى ولده أبي محمَّد عبد الله فأكرمه، وقال: «ما مات من خلَّفك، وإنما مات أبوك لي لأنني أباهي به الملوك، ثمَّ ولاه مدرسة والده ورتَّب له جميع مرتَّباته»(٢٧).
صفات الشريف التلمساني ومنزلته:
لقد كان أبو عبد الله الشريف يتمتَّع بصفات بدنية كاملة، كما توَّج سيرته الذاتية وثروته العلمية والثقافية بجملة من مكارم الأخلاق اتسم بها من بداية حياته إلى أن أصبح إمام أهل المغرب زادت من قدره، وعظَّمت مكانته ومنزلته، لذلك نتعرَّض إلى صفاته البدنية والأخلاقية وإلى منزلته.
صفات الشريف التلمساني الخَلقية:
لم يُعِرِ المترجمون لحياة أبي عبد الله الشريف عناية تُذكر لصفاته الخَلقية كاهتمامهم بالجوانب المتعلِّقة بأخلاقه سوى بعض المصادر والمراجع التي تناولتها على جهة العموم من غير تفصيل، غير أنَّنا نلمس في ثنايا أخبارهم ما يُشعر بتمتُّعه بقوةِ ذاتٍ منيعةٍ وخِلْقَةٍ كاملة، قال السراج في «فهرسته»: «كان أحد رجال الكمال علمًا وذاتًا وخُلُقًا وخَلقًا»(٢٨)، ويؤكِّد ذلك ما يلي:
ـ رحلاته العلمية وسفارته شرقًا وغربًا في أنحاء المغرب الكبير.
ـ جهده المبذول بالإقراء والمطالعة والتلاوة فقد كان ينام ثلث الليل وينظر ثلثه ويصلي ثلثه(٢٩).
كل ذلك وغيره يتطلب قوة جسمية تمكِّنه من الصمود والمقاومة، فضلًا عن أنه لم يُنقل عنه أنه تعرض لإصابة أو علة سوى مرض الموت الذي ألزمه الفراش ثمانية عشر يوما(٣٠).
ومن صفاته الخلقية حسن الهيئة وجمال الوجه وكثرة التبسم، قال الونشريسي في «القول المنيف»: «كان من أحسن الناس وجهًا وقدرًا مهيبًا..»(٣١)، «جميل العشرة بسامًا منصفًا»(٣٢).
صفات الشريف التلمساني الخُلقية:
لقد اتفق المترجمون على أنَّ الشريف التلمساني كان يتوفَّر على صفاتٍ عاليةٍ ونادرةٍ، تدلُّ على النبوغ والعبقرية والملكات الفكرية الحادة والذهن الثاقب وعلو الشأن، وأنه كان على جانبٍ كبيرٍ من التواضع وحسن الخُلق وجمال الطبع وأنس المعاشرة وعلو الهمة، لذلك نرى من المفيد أن نذكر صفاته منقولة عن بعض المترجمين لحياته على ما نصه:
«كان من أحسن الناس وجهًا وقدرًا، مهيبًا ذا نفس كريمة، وهمة نزيهة، رفيع الملبس بلا تصنُّع، سَرِيَّ الهمة بلا تكبُّر، حليمًا متوسِّطًا في أموره، قوي النفس مؤيَّدًا بطهارة، ثقةً عدلًا ثبتًا، سلَّم له الأكابر بلا منازع، أصدق لهجةً وأحفظهم مروءةً، مُشفقًا على الناس، رحيمًا بهم، يتلطَّف في هدايتهم، ويُعينهم بجهده، حسن اللقاء كريم النفس طويل اليد يعطي نفقات عديدة، ذا كرم واسع وكنف لين وصفاءِ قلب»(٣٣).
أمَّا أخلاقه مع أهله ورحمه وضيوفه فقد كان: «جميل العشرة بسَّامًا منصفًا، يقضي الحوائج سمحًا مُتورِّعًا، يُوسِّع في نفقة أهله ويصل رحمه لِله ويواسيهم بجرايات كثيرة من ماله، يُكرم ضيفه ويقرِّب له ما حضر»(٣٤).
وتظهر أخلاقه مع طلبة العلم في أنهم كانوا: «في وقته أعز الناس وأكثرهم عددًا وأوسعهم رزقًا، فنشروا العلم واستعانوا بحسن لقائه وسهوله فيضه وحلاوته مع بشاشة، لا يؤثر على الطلبة غيرهم، ويحمل كلامهم على أحسن وجوهه، يبرزه في أحسن صورة، يترك كل أحد وما يميل إليه من العلوم، ويرى الكل من أبواب السعادة ويقول: «من رُزق في باب فليلازمه»، مع كرم أخلاق، قائمًا بالعدل لا يغضب، وإذا غضب قام وتوضأ، يُطعم الطلبة طيِّب الأطعمة»(٣٥).
ومن زهده ودينه ومروءته أنه كان «غني النفس بربه، ساكن الجأش كثير النفقة على أهل البيت وغيرهم، قليل الإمساك لما بيده، قليل التفكر في أمرها، ولا يستشرف لعطائها، وإنما أمله العلم، حتى ذكر ولده عبد الله أنه بقي بعض الأزمنة ستة أشهر مشتغلًا بالعلم، لم ير فيها أولاده، لأنه يقوم صبحًا وهم نائمون ويأتي ليلًا وهم نائمون، وذكر أنه لم يأخذ مرتَّبًا من مدرسته ولا غيرها في زمن طلبه، وإنما يُنفق من مال أبيه»(٣٦).
«وكان أمينًا مأمونًا حافظًا لسره مالكًا لزمام نفسه، يركن إليه أهل الدين والدنيا من القريب والبعيد، فكان قاضي قسنطينة حسن بن باديس وضع عنده أمانة في قرطاس فوضعها في بيته، فلمَّا طلبه صاحبه أخرجها فوجد مكتوبًا على ظاهر القرطاس مئة ذهب، فحلَّه وعدَّها فإذا خمس وسبعون ذهبًا، فزاد فيها خمسة وعشرين، فأعطاه له، فمكث عنده يومين فرجع إليه وقال: يا سيدي، وجدت الأمانة زيادة خمسة وعشرين، فقال: إنما لم أعدَّها عند أخذها منك فلما وقع بصري على الخط اختبرتها فلم أجد العدد فكمَّلتها ظانًّا ضياعها عندي، فقال: يا سيدي لم أعط إلَّا خمسة وسبعين فرد الزيادة وشكره وحمد الله على وجود مثله»(٣٧).
ومن إنصافه في البحث والحديث والمناظرة رجوعه إلى الحقِّ وقَبوله النصيحة:
فمن ذلك ما حكاه الشيخ أبو القاسم ابن داود الفخار السلوي: أنَّ الشيخ أبا عبد الله الشريف التلمساني افتتح شرح «العمدة» بما نصه:
«اللهم أحمد نفسك عمَّن أمرته أن يتخذك وكيلًا، حمدًا عائدًا منك إليك، متحدًا به، دائمًا بدوام ملكك، لا منقطعًا ولا مفصولًا».
قال: فقال لي أبو عبد الله ابن شاطر: «ما هو انفصال عالم الملك ؟»، فقلت: «بالضرورة الوقتية»، فقال لي: «ما أجهلك ! وأجهل سيدك أبا عبد الله ! وأجهل ابن سودكين الذي أخذ من كتابه هذا الحمد ! إذ قال: «لا منقطعًا ولا مفصولًا»، بعد قوله: «بدوام ملكك»، وهو بالضرورة الوقتية وهي منقطعة، فهلا قال: «دائمًا بدوام قيوميتك وعظيم قدرتك ومجدك الأعلى وسبحات وجهك الأكرم لا منقطعًا ولا مفصولًا»، فبلغ ذلك أبا عبد الله فبدَّله»(٣٨).
ومن صفاته مع أهل العلم أنه كان «لا يماري العلماء في مجالس الملوك، ولا يرد على أحد ولا يخطِّئ المفسِّرين، ولا ينصر العامَّة، ولا يجرِّئهم على المعاصي، بل يعظِّم منصب العلم»(٣٩).
هذا، ومن جميل صفاته ـ أيضًا ـ أنه كان «متمسِّكًا في أموره بالسُّنَّة، راكنًا لأهلها كثير اتباع السلف شديدًا على أهل البدع، ذا بأسٍ وقُوَّةٍ في نصر الحقِّ، لا تُشَاهَدُ في قطره بدعة ولا تُهتك عنده حرمة، ولا يضع أسرار الشريعة في غير محلها»(٤٠).
منزلة الشريف التلمساني بين أهل عصره:
يُعَدُّ أبو عبد الله من فحول العلماء وأعلام الصلاح والتقوى، ومثالًا حيًّا جليًّا للحركة الفكرية والعلمية المزدهرة في عصره، وقد رأينا ـ إظهارًا لسمو منزلته ـ أن نتناول علومه ومعارفه، ثمَّ نُعْقِبَ ذلك بشهادات الثناء التي أطلقها عليه أهل عصره ومن بعدهم.
علوم الشريف التلمساني:
لقد كانت مناحي العلوم التي انطوى عليها صدر أبي عبد الله الشريف متعدِّدة، ووصل في التفنُّن فيها إلى الغاية، ويمكن أن نرتِّبها على الوجه التالي:
ـ فهو إمام في التفسير، عالم بقراءاته ورواياته، وفنون علومه من بيان وأحكام وناسخ ومنسوخ وغيرها، فقد فسَّر القرآن خمسًا وعشرين سنةً بحضرة أكابر الملوك والعلماء والصلحاء وصدور الطلبة(٤١)، قال الشيخ محمَّد البشير الإبراهيمي: «لم ينقل لنا تاريخ العلماء بهذا الوطن أنَّ عالما ختم تفسير القرآن كله درسًا إلَّا ما جاء فيه عن الشريف التلمساني»(٤٢).
ـ محدِّث بارع في علوم الحديث متنه وسنده، صحيحه وسقيمه، غريبه وفقهه، كثير الذب عن السنة، قدير على إزالة الإشكال فيها، متدرب في تعليم غوامضها.
ـ إمام في أصول الدين أَلَّف كتابًا في القضاء والقدر(٤٣)، قال أحمد بابا التنبكتي: «حقَّق فيه مقدار الحق بأحسن تعبير عن تلك العلوم الغامضة»(٤٤).
ـ فقيه مجتهد في الأصول والفروع ثبتًا وتحصيلًا واسع المعرفة بالأحكام ووجوه الاستنباط منها.
ـ خبير بعلوم العربية وآدابها وقواعدها نحوًا وصرفًا وبلاغةً وبيانًا، قوي في غريب اللغة والشعر والأمثال.
ـ واسع الإحاطة بأخبار الناس ومذاهبهم وأيام العرب وسيرها وحروبها.
ـ كثير المعرفة بسير الأعلام من الفقهاء والصالحين، وبمذاهب الصوفية وإشاراتهم.
ـ قمة في العلوم العقلية كلها من منطق وحساب وفرائض وتنجيم وهندسة وتشريح وفلاحة وغيرها(٤٥).
كل ذلك يؤكِّد عظمة شخصيته الأدبية والعلمية الفذة، ويشهد له بالإمامة والاجتهاد ورقي القدر والمنصب في عصره بين فطاحل العلماء العاملين المبرِّزين.
ثناء الناس على الشريف التلمساني:
اكتسب أبو عبد الله الشريف ثقة الملوك وعلماء عصره، وحظي بثنائهم لِمَا تحلَّى به من صلاح وتقوى، وما تمتَّع به من خلق كريم وعلم غزير، فلقد أشاد ملوك زمانه بفضائله، وشهد له شيوخه بوفور العقل وحضور الذهن، وكان علماء الأندلس والمغرب الكبير من أقرانه وتلاميذه أعرف الناس بقدره وأكثرهم تعظيمًا له، لذلك نرى ـ بيانًا لجلال قدره وإظهارًا لسمو منزلته بين أهل العلم والفضل ـ الإدلاء بشهادات أطلقها أهل عصره من ملوك وشيوخ وأقران وتلامذة استحق ثناءهم عليه وتظهر شهادتهم فيما يلي:
أولا: شهادة ملوك زمان الشريف التلمساني:
قال الشيخ أبو يحيى المطغري: «لما اجتمع عند السلطان أبي عنان أمر الفقيه العالم الحافظ القاضي أبا عبد الله المقري بإقراء التفسير فامتنع منه وقال: أبو عبد الله الشريف أَوْلى مني بذلك، فقال له السلطان: إنك عالمٌ بعلوم القرآن وأهلٌ لتفسيره فاقْرَأْه، قال له: إنَّ أبا عبد الله أعلم بذلك مني فلا يسعني الإقراء بحضرته، فعجبوا من إنصافه، ففسَّر أبو عبد الله بحضرة كافة علماء المغرب مجلسًا في دار السلطان، ونزل عن سرير ملكه وجلس معهم على الحصير، فنبع منه ينابيع الحكمة ما أدهش الحاضرين وأتى بما لم يحيطوا به حتى قال السلطان عند فراغه: «إني لأرى العلم يخرج من منابت شعره»»(٤٦).
ومن ذلك ما ذكر بعض فقهاء فاس للسلطان أبي عنان أنَّ الشريف غير متبحِّر في الفقه حسدًا، فأمره بإقراء حديث «إِذَا وَلَغَ الْكَلْبُ فِي إِنَاءِ أَحَدِكُمْ»(٤٧) بحضرة هؤلاء الفقهاء اختبارًا لفقهه، فأخذ فيها من غير نظر فبيَّن وجوه الحديث وطرقه وفوارقه الفقهية والترجيح، فلما رأى السلطان عظيم فقهه وسعة اطلاعه أقبل على الطاعنين قائلًا: «هذا الذي تشيرون لقصوره في الفقه»(٤٨).
وكان السلطان أبو سعيد يحب الشريف حُبًّا عظيمًا يخاطبه ﺑ «سيدي»(٤٩).
وقال السلطان أبو حمو موسى لأبي محمَّد عبد الله بن الشريف متأسِّفًا لموت والده: «ما مات من خَلَّفك، وإنما مات أبوك لي لأنِّي أباهي به الملوك»(٥٠).
ثانيا: شهادات شيوخ الشريف التلمساني:
كان شيخه المحدث القاضي أبو علي ابن هدية يقول: «كل فقيه قرأ في زماننا هذا أخذ ما قُدِّر له من العلم ووقف إلَّا أبا عبد الله الحسني فإنَّ اجتهاده يزيد، والله أعلم حيث ينتهي أمره»(٥١).
وقال عنه شيخه أبو عبد الله الآبلي: «هو أوفر من قرأ عليَّ عقلًا وأكثرهم تحصيلًا»(٥٢). وقال ـ أيضًا ـ: «قرأ علي كثير في المشرق والمغرب، فما رأيت فيهم أنجب من أربعة: أبو عبد الله الشريف أنجبهم عقلًا وأكثرهم تحصيلًا».
وكان يقول إذا أشكلت مسألة على الطلبة أو ظهر بحث دقيق: «انتظِروا به أبا عبد الله الشريف»(٥٣).
وكان أبو عبد الله محمَّد بن عبد السلام القاضي يقول: «ما أظنُّ أنَّ في المغرب مثل هذا»(٥٤).
ثالثًا: شهادة أقران الشريف التلمساني:
لقد كان أقران أبي عبد الله يعترفون بعظيم منزلته وفطنته وقوة ذكائه واجتهاده، فمن ذلك:
ـ امتناع أبي عبد الله المقري عن إقراء التفسير بحضرة أبي عبد الله الشريف عند السلطان أبي عنان إنصافًا له واعترافًا بغزارة علمه، فقال: «إنَّ أبا عبد الله أعلم بذلك مني فلا يسعني الإقراء بحضرته»(٥٥).
ـ قول الخطيب ابن مرزوق: «لما سافر أبو عبد الله لتونس كرهت مفارقته، ولكن حمدت الله على رؤية أهل إفريقية مثله في المغرب»(٥٦).
وقال ـ أيضًا ـ في حقِّ الشريف: «إنه أعلم أهل وقته بإجماع»(٥٧).
وذكر أنه وصل إلى درجة الاجتهاد في المذهب(٥٨).
ـ قول ابن عرفة للشريف: «غايتك في العلم لا تدرك»(٥٩)، وقال: «رأيته وقد وفد لتونس، فرأيت منه علمًا تامًّا ومعرفة»(٦٠)، ولما سمع بموته قال: «لقد ماتت بموته العلوم العقلية»(٦١).
رابعا: شهادة تلاميذ الشريف التلمساني:
وممَّن شهد لأبي عبد الله الشريف ومدى فضله من تلاميذه:
ـ أبو زيد عبد الرحمن بن خلدون حيث وصفه بقوله: «صاحبنا الإمام العالم الفذ، فارس المعقول والمنقول، وصاحب الفروع والأصول»(٦٢).
وقال عنه ـ أيضًا ـ: «وكانت له في كتب الخلافيات يد طولى وقدم عالية»(٦٣).
ـ ووصفه أبو زكريا يحيى بن خلدون بقوله: «شيخنا الفقيه العالم الأعرف أبو عبد الله محمَّد بن أحمد الشريف الحسني، أحد رجال الكمال علمًا ودينًا، لا يعزب عن علمه فنٌّ عقلي ولا نقلي إلَّا وقد أحاط به»(٦٤).
ـ وقال السراج في «فهرسته»: «شيخنا الفقيه الإمام العلَّامة الشهير الكبير الصدر القدوة، الشريف نسبًا، العظيم قدرًا ومنصبًا، أبو عبد الله، كان أحد رجال الكمال علمًا وذاتًا وخُلُقًا وخَلْقًا عالمًا بعلومٍ جَمَّة من المنقول والمعقول، بلغ رتبة الاجتهاد أو كاد، بل هو أحد العلماء الراسخين وآخر الأئمة المجتهدين»(٦٥).
خامسًا: شهادة غير تلامذة الشريف التلمساني:
أمَّا شهادة غير تلاميذ أبي عبد الله الشريف فتظهر فيما يلي:
ـ قول ابن مرزوق الحفيد: «شيخ شيوخنا أعلم عصره بإجماع»(٦٦).
ـ قول التنسي: «كان واحد عصره دينًا وعلمًا، نقلًا وعقلًا، انتفع الناس به حيًّا وبتصانيفه مَيِّتًا»(٦٧).
ـ قول الونشريسي في «القول المنيف»: «وكان آخر الأئمة المجتهدين، نسيج وحده فريد عصره في كل طريقة، انتهت إليه إمامة المالكية بالمغرب، وضُرِبَتْ إليه آباط الإبل شرقًا وغربًا، فهو عَلَمُ علمائها، ورافع لوائها، فحييت به السنة وماتت به البدعة، وأظهر من العلم ما بهر العقول»(٦٨).
مواقف الشريف التلمساني:
لقد كان لانتشار علم أبي عبد الله الشريف وذيوع صيته الأثر البالغ في نفوس الناس، فكان محل ثقتهم، الأمر الذي أتاح لهم طلب صحبته والتقرب إليه، وقد دَوَّن المؤرِّخون مواقف للشريف مع سلاطين وأمراء عصره ومع شيوخه وتلاميذه، تُؤخذ منها العبرة وتستفاد منها العظة، سَجَّلتها كتب التاريخ وتناقلها المترجمون، لذلك نتناول موقف الشريف من سلاطين وأمراء عصره، ثم نتناول موقفه مع شيوخه وتلاميذه.
مواقف الشريف التلمساني من سلاطين وأمراء عصره
إنَّ الإمام أبا عبد الله الشريف، بالرغم ممَّا كان يحظى به عند سلاطين وأمراء عصره من سمعة عالية ومكانة مرموقة، بحيث كانوا يُجلُّونه ويحبونه ويُجلسونه أرفع المجالس ويتباهَوْن به، إلَّا أنه لم يسعَ للتودُّد إليهم وطلب صحبتهم، بل كان يتباعد عنهم مع إقبالهم عليه(٦٩)، وحرصهم على قربه ورفعته، ولكنه لَمَّا قَرَّبوه لم يمتنع لما في ذلك من إتاحة فرصة تقديم النصح لهم وإرشادهم والإفصاح بالحقِّ ونصرة المظلوم وقضاء حوائج الناس دون حوائج نفسه، ولم يكن يخدمهم بدينه، وما تولى منصبًا من مناصب الدنيا مع تمكُّنه، بل كان وقَّافًا مع العلم حيث وقف، ويدلُّ على ذلك ما يلي:
ـ محنة الشريف العظيمة التي امتُحن بها أمام السلطان أبي عنان المريني، ويذكر لنا المترجمون والمؤرِّخون هذه الواقعة الدالَّة على أمانته وصدق لهجته وتباعُده عن مجالس الحكام والسلاطين، وهي أنه لَمَّا انحل نظامُ ملكِ السلطان أبي سعيد(٧٠) أوصاه على ولده وعرض عليه مالًا وديعةً فامتنع بالكلية، فأودعها عند غيره وأشهده عليها، ثمَّ رُفِعَ أمر الوديعة إلى السلطان أبي عنان بعد ملكه وانتزع الوديعة وسخط على الشريف وعاتبه عتابًا شديدًا، وامتنَّ عليه بتقريبه ورفعه على العلماء، فأجابه الشريف بقوله: «إنما عندي شهادة لا يجب علي رفعها بل سترها، وأمَّا تقريبك إياي فقد ضرني أكثر ممَّا نفعني، ونقص به ديني وعلمي»، وشَدَّد القول على السلطان، فغضب لذلك وأمر بسجنه، واتفق أن حل عقب ذلك شيخ أعراب إفريقية، واسمه «يعقوب بن علي» على السلطان، فسأله عما يقول الناس عنه بإفريقية، فقال: «خيرًا، غير أنهم سمعوا بسجنك عالمًا شريفًا كبير القدر، فلامك فيه الخاصة والعامة»، وإثر ذلك أمر بإطلاق سراحه سنة (٧٥٦ﻫ) بعد أن أقام في اعتقاله أشهرًا، وأمر بالإحسان إليه وأقصاه، ثمَّ أعاده إلى مجلسه، وما زال السلطان يعتذر له إلى أن توفي سنة (٧٥٩ﻫ)(٧١).
ـ ما قاله لبعض الملوك وقد أمر بضرب فقيه: «إن كان عندك صغيرًا فهو عند الناس كبير، وإنه من أهل العلم» فنجا الفقيه وسُرِّح مكرَّمًا(٧٢).
ـ ومن ذلك أنه كان يحضر مجلسه كبير وزراء الدولة، فطال يومًا على بعض الأئمة، فغضب عليه الشريف وعاتبه وعنَّفه، فسكت الوزير ولم يقطع المجلس(٧٣).
ـ ومن ذلك ـ أيضًا ـ أنه دخل بعض المرابطين على السلطان أبي حمو في أول أمره، فلم يقبِّل يده ولا بايعه، بل سَلَّم وانصرف، فاشتد عليه غضبه، فقال: «ما له لا يبايعني ؟!» وهَمَّ بِشَرٍّ، فقال له الشريف: «هذه عادته مع من تقدَّم من الملوك، وهو من أهل الله»، فانكسر غضبه وأكرم المرابط وولاه القبيلة كلها(٧٤).
موقف الشريف التلمساني مع شيوخه:
اتسمت صفات الشريف التلمساني ـ على ما تقدم ـ بنبل الأخلاق مع شيوخه وشدة التواضع والتأدب وحسن الإصغاء والإقبال عليهم، مع ميوله للبحث والنظر والحُجَّة معهم معظِّما في ذلك منصب العلم وأهله، فمن مواقفه تلك ما يأتي:
ـ أنه بحث مع شيخه أبي زيد ابن الإمام في حديث، ودارت المناقشة فيه بينهما أخذًا وردًّا وتجاذبَا عليه جوابًا واعتراضًا حتى وُفِّق الشريف وظهر على شيخه فأنشده:
أُعَلِّمُهُ الرِّمَايَةَ كُلَّ يَوْمٍ * فَلَمَّا اشْتَدَّ سَاعِدُهُ رَمَانِي(٧٥)(٧٦)
ـ ومن ذلك ما ذكر أحمد بابا التنبكتي من لقاء الشريف لشيخه ابن عبد السلام بتونس، فلازمه وانتفع به ونقل ذلك ولده أبو محمَّد عبد الله بما نصه: «لما حضر مجلس ابن عبد السلام جلس حيث انتهى به المجلس، فتكلم الشيخ في الذكر هل هو حقيقة في ذكر اللسان ؟ فقال أبو عبد الله: «يا سيدي، الذكر ضد النسيان، ومحل النسيان القلب لا اللسان، وتقرَّر أنَّ الضِّدين يجب اتحاد محلهما»، فعارضه ابن عبد السلام بأنَّ الذِّكر ضِدُّ الصمت، والصمت محله اللسان، فيجب كون اللسان محل ضده الذي هو الذكر، فيكون حقيقة فيه».
قال عبد الله: «فسكت عن مراجعته تأدبًا معه، وقد علمت أنَّ الصمت إنما ضِدُّه النطق لا الذكر، فلمَّا جاء في الغد جلس في موضعه، فقام نقيب الدولة فأجلسه بجنب ابن عبد السلام بأمره بذلك»(٧٧).
ـ ومن ذلك حضوره بفاس في بدايته مجلس عبد المؤمن الجاناتي، وفي معرض حديثه اتفق بحث أظهر فيه الشريف رأيًا غاية في الوجاهة، فقال له الشيخ عبد المؤمن بعد أن نظر إليه مليًّا: «ما ذكرته من عندك أو من نقل ؟»، فقال: «من عندي»، فسأله عن بلده ونسبه وسبب مجيئه فلمَّا عرفه حمد الله على توفيقه ودعا له(٧٨).
موقف الشريف التلمساني مع تلامذته:
كان أبو عبد الله الشريف يشفق كثيرًا على طلبة العلم ويلطف بهم ويكرمهم ويُحسن لقاءهم ولا يُؤْثِر عليهم غيرهم، فكانوا ـ حقًّا ـ في وقته أعز الناس، وأكثرهم عددًا، وأوسعهم رزقًا، فمن مواقفه معهم التي سجَّلها التاريخ وذكرها أهل التراجم ما يلي:
ـ جاءه طالب فصيح اللسان فأكرمه وقرأ، ثمَّ دخل عليه مرة بفاس فسأله عن حاله، فشكا إليه سوء وضعيته وحاله حيث إنه قرأ القرآن بالقرويين ولم يجد موردًا ماليًّا يستعين به على قضاء متطلبات المعيشة، فتأسف الشريف لحاله، وفي الغد أرسل أربعة من طلبته بأربعة قراطيس دراهم، وقال لهم:«احضروا مجلسه، فإذا قرأ فارموا القراطيس بين يديه»، ففعلوا فاستبشر بها الطالب وأخذها ودعا لهم، فلما عرف الناس حالته، انهالت عليه العطايا وانثالت عليه المعونات فاتسع حاله(٧٩).
ـ ومن ذلك أنَّ السلطان سأله في إحدى المرات عن مسألة أصولية ضمن مسائل كتاب ابن الحاجب الأصلي(٨٠)، وكان الشريف يعلم بأن أحد طلبته كان محتاجًا، فقال للسلطان: «إنما يفهم هذه المسألة الطالب الفلاني»، فطلبه السلطان من سِجِلْمَاسَة(٨١) وأمر عاملها أن يعطيه نفقة وكسوة ويوجِّهه في أسرع وقت، فلمَّا حضر بين يدي السلطان بيَّن له المسألة، فسأله السلطان عمن استفادها، فقال الطالب: «عن سيدي أبي عبد الله الشريف»(٨٢).
مساعي الشريف التلمساني التحصيلية:
تدرج أبو عبد الله الشريف في تحصيله لمدارك المعرفة بشتى الوسائل والطرق برغبة ملحَّة فتجول في أنحاء المغرب الإسلامي شرقيه وغربيه طالبًا للعلم، فأخذ من علماء تلمسان ابتداءً ثمَّ علماء فاس وتونس بصبر عريض واجتهاد دؤوب وهمة عالية. وترتيبًا على تدرُّجه في التحصيل نقسم مراحله التعليمية إلى مراحل داخلية، ثمَّ مراحل تعليمية خارجية.
المراحل التعليمية الداخلية للشريف التلمساني:
بدأت هذه المرحلة الدراسية في سنٍّ مبكرة، مذ كان أبو عبد الله الشريف تحت رعاية خاله عبد الكريم، حيث كان يصطحبه معه إلى مجالس العلم والعلماء، فظهرت نجابته وقدراته الذهنية ومواهبه الفكرية منذ صغره، فأحب العلم ومجالس العلماء، فأقبل عليه بأخلاق مرضية، وكان خاله يوجِّه ابن أخته التوجيه الحسن بعد ظهور علامات النجابة عليه، ويلازمه ويحرص على تعليمه، وقد ذكر الونشريسي في «القول المنيف» أنه: «حضر يومًا مجلس أبي زيد ابن الإمام في تفسير القرآن فذكر نعيم الجنة، فقال له الشريف ـ وهو صبي ـ: «هل يُقرأ فيها العلم ؟» فقال له: «نعم، فيها ما تشتهيه الأنفس وتلذ الأعين»، فقال له: «لو قلتَ: لا، قلت لك: لا لذة فيها»، فعجب منه الشيخ ودعا له»(٨٣).
ففي تلمسان اهتم في أوائل دراسته بقراءة القرآن، فأخذه عن الشيخ أبي زيد ابن يعقوب، وممَّن أخذ عنهم من شيوخه:
ـ القاضي أبو عبد الله محمَّد بن منصور بن هدية القرشي المتوفى سنة (٧٣٦ﻫ)، فقد أخذ عنه علوم العربية والأدب.
ـ الإمام أبو موسى عمران بن موسى المشدالي البجائي الأصل، التلمساني الدار المتوفى سنة (٧٤٥ﻫ)، فقد استفاد منه في علوم الفقه والأصول والجدل.
ـ المحدِّث أبو محمَّد ابن عبد الواحد بن إبراهيم المجاصي التلمساني المتوفى سنة (٧٤١ﻫ)، وقد انتفع به في الحديث والفقه.
ـ واختصَّ بابني الإمام التنسي البَرِشْكي أبي زيد عبد الرحمن بن عبد الله التلمساني المتوفى سنة (٧٤٣ﻫ)، وأخيه أبي موسى عيسى بن عبد الله المتوفى سنة (٧٤٩ﻫ) وتفقَّه عليهما في الأصول والكلام(٨٤).
ـ واستقى العلوم العقلية الأولى من الفقيه شيخ التعاليم أبي عبد الله محمَّد ابن يحيى بن علي بن النجار التلمساني المتوفى سنة (٧٤٩ﻫ).
هذا، ويُذكر أنه ابتدأ التدريس وهو ابن أحد عشر عامًا (١١)، فأقرأ العلوم الشرعية والعقلية القديمة والحديثة في زمن شيوخه مع شهادتهم له بوفور العقل وحضور الذهن(٨٥).
المراحل التعليمية الخارجية للشريف التلمساني:
فبعد أن حصَّل فنونا متعددة في سنٍّ مبكِّرة وجد أبو عبد الله الشريف في نفسه عزمًا قويًّا ورغبةً مُلحَّة في المزيد من طلب العلوم، فقرَّر الرحيل صوب مدينة فاس حيث حضر في بدايته مجالس أبي فارس عبد المؤمن بن موسى الجاناتي المتوفى سنة (٧٤٦ﻫ)، ودرس عليه «المدونة» للإمام مالك رحمه الله تعالى، وهناك قيَّض الله له شيخ العلوم العقلية أبا عبد الله محمَّد بن إبراهيم العبدري التلمساني المعروف بالآبلي المتوفى سنة (٧٥٧ﻫ) فاعتمد على معارفه فانتفع به انتفاعًا عظيمًا، قال المؤرِّخ ابن خلدون: «ثمَّ لزم شيخنا الآبلي، وتضلَّع من معارفه واستبحر، وتفجَّرت ينابيع العلوم من مداركه»(٨٦)، وفي أثناء تلمذته لم يدَّخر أبو عبد الله الشريف وسعًا يمكنه بذله في سبيل العلم، بل استفرغ وسعه في طلبه بعزيمةٍ صادقةٍ وصبرٍ عريضٍ، فقد لازم الآبلي أربعة أشهر فلم يره نزع ثوبه ولا عمامته لشغله بالنظر والبحث، فإذا غلبه النوم نام نومًا خفيفًا، فإذا أفاق لم يرجع إليه أصلًا، ويقول: «أخذت النفس حقَّها»، فيتوضأ ثمَّ رجع للنظر(٨٧).
وقد استفاد منه علومًا جَمَّةً وبالأخصِّ العلوم العقلية المتمثِّلة في المنطق والحساب والفرائض والتنجيم والهندسة والتشريح والفلاحة وكثيرًا من العلوم القديمة ليتمكَّن بعد حين من شرح «جمل الخونجي»(٨٨)، وهو من أجلِّ كتب الفنِّ.
وقد شهد له شيخه بالنجابة وقوة الذكاء والذاكرة ووفور العقل حيث كان يقول: «قرأ عليَّ كثيرٌ شرقًا وغربًا، فما رأيت فيهم أنجب من أربعة: أبو عبد الله الشريف أنجبهم عقلًا وأكثرهم تحصيلًا»، وإذا أشكلت مسألة على الطلبة عند الآبلي أو أُظْهِرَ بحث دقيق يقول: «انتظروا أبا عبد الله الشريف»(٨٩).
وفي سنة (٧٤٠ﻫ) ارتحل إلى تونس ولقي بها قاضي الجماعة أبا عبد الله محمَّد ابن عبد السلام بن يونس الهواري المتوفى سنة (٧٤٩ﻫ)، فلازمه وانتفع به، وكان ابن عبد السلام يستعظم رتبتَه في العلوم ويقدِّره ويُدْنِيه في مجلسه ويعترف بفضله، ووقعت بينهما مذاكرات علمية وأخذ كلٌّ عن صاحبه، وأخذ ابن عبد السلام من معارف الشريف ما يتعلَّق خاصة بالعلوم العقلية منها الحساب والهندسة والحكمة والفلسفة والفرائض ممَّا قد استوعبه من شيخه أبي عبد الله النجار واستحكمها من شيخه أبي عبد الله الآبلي، وفي هذا المضمون يقول المؤرخ ابن خلدون: «وكان ابن عبد السلام يصغي إليه ويؤثر محله، ويعرف حقه، حتى لزعموا أنه كان يخلو به في بيته، فيقرأ عليه فصل التصوف من كتاب الإشارات(٩٠) لابن سينا، بما كان هو قد أحكم ذلك على شيخنا الآبلي، وقرأ عليه كثيرًا من كتاب «الشفا»(٩١) لابن سينا، ومن تلاخيص كتب أرسطو لابن رشد، ومن الحساب والهيئة والفرائض، علاوة على ما كان يحمله من الفقه والعربية وسائر علوم الشريعة، وكانت له في كتب الخلافيات يد طولى وقدم عالية، فعرف له ابن عبد السلام ذلك كله وأوجب حقه»(٩٢).
لقي بتونس كثيرًا من علمائها، منهم الشيخ أبو عبد الله محمَّد بن محمَّد ابن عرفة الورغمي المتوفى سنة (٨٠٣ﻫ) فتعجَّب منه، وازداد عنده جلالة، وقال له: «غايتك في العلم لا تُدرك»(٩٣)، وقد رأى منه علمًا تامًّا ومعرفة(٩٤).
ثمَّ رجع أبو عبد الله الشريف إلى مسقط رأسه تلمسان بعدما وصل في التفنُّن إلى غاية، فقضى جُلَّ أوقاته في تدريس العلم وإرشاد العامة، فأحيا السُّنَّة وأمات البدعة، وذاع صيته بين الأمصار والأقطار لما كان يمتاز به من ذكاء وتدقيق وإدراكٍ سليمٍ للحقائق وأخلاقٍ عاليةٍ، مع سلامة العقل جاريًا على نهج السلف(٩٥)، فأقبل عليه الناس والتفُّوا حوله على اختلاف طبقاتهم، فملأ المغرب علومًا ومعارف، وتخرَّج على يده عددٌ كبيرٌ من الطلبة والعلماء كأبي زيد ابن خلدون وأبي زكريا يحيى أخيه، وأبي إسحق الشاطبي وغيرهم ممن سيأتي ذكرهم، فانتفعوا به قراءةً ونسخًا وتأليفًا، فضلًا عن مراسلاته العلمية الآتية من كبار علماء الأندلس كأبي سعيد ابن لب وابن الخطيب وغيرهما.
هذا، وإن لم يُؤثر عنه تآليف عديدة لشِدَّة عنايته بالإقراء والتدريس، إلَّا أنَّ ما وضعه من كتب وتصانيف نالت شهرةً كبيرةً في أقطار المغرب، من ذلك شرحه «الجمل» للخونجي في المنطق، وآخر في أصول الفقه موسوم بعنوان: «مفتاح الوصول إلى بناء الفروع على الأصول»، وكذا كتاب «مثارات الغلط في الأدلة» طبَّق فيهما مسائل الفقه على الأصول، وكتاب «المعاوضات» و«القضاء والقدر».
هكذا كان دأب الشريف التلمساني في تحصيل العلم وتعليمه، فلم يفرِّط في سبيل ذلك لحظة من حياته من نعومة أظفاره إلى أن أصبح إمامًا مجتهدًا، فقد ذكر ابنه عبد الله: «أنه بقي في بعض الأزمنة ستة أشهر مشتغلًا بالعلم لم ير فيها أولاده؛ لأنه يقوم صُبحًا وهم نائمون، ويأتي ليلًا وهم نائمون»(٩٦)، فقد كان يوزِّع نهاره بين التدريس والمطالعة والتلاوة، ويقسم ليلَه أثلاثًا: ثلث للنوم وثلث للنظر وثلث للصلاة(٩٧)، فلم يختلف عن جميع عظماء الأُمَّة الإسلامية في الدأب والجد والمثابرة للوصول إلى قمة المجد العلمي.
ولما استولى أبو عنان المريني على تلمسان سنة (٧٥٣ﻫ) استخلص الشريف مع من اختار من المشيخة وألحقه بمجلسه العلمي، ثمَّ صحبه إلى فاس، وتألق نجمه وزادت شهرته، فتبرم الشريف من الاغتراب وردَّد الشكوى، ثمَّ نكبه السلطان أبو عنان واعتقله وأطلقه سنة (٧٥٦ﻫ)، وأقصاه ثمَّ أعاده إلى مجلسه العلمي وقرَّبه إلى أن توفي سنة (٧٥٩ﻫ)، وبعد استيلاء أبي حمو موسى بن يوسف على تلمسان دعاه إليها وزوَّجه ابنته وبنى له مدرسة سنة (٧٦٣ﻫ)، وقام الشريف بها متصديًا للإفادة ونشر العلم حتى قبض سنة (٧٧١ﻫ).
شيوخ الشريف وأقرانه وتلامذته:
إنَّ طريق معرفة مكانة المرء يكمن في معرفة شيوخه وأساتذته الذين تلقَّى عنهم وتأثَّر بهم، فلقُوَّة شخصية الشيخ وقدرته العلمية الأثر البالغ في بناء شخصية التلميذ ونضج عقليته، ولا يخفى أنَّ الشريف كما تأثَّر بشيوخه تلميذًا، فقد أثَّر على غيره من أقرانه وتلاميذه شيخًا، فالتلميذ أثر من آثار شيخه، وثمرة من ثماره، يُشيع ذكره ويعرف فضله وينشر علمه، وكلما برزت شخصية التلميذ قوية كلما انعكس ذلك على شيخه رفعة لقدره وإعلاء لمنزلته.
لذلك رأينا أن نقتصر على ذكر جملة من كبار شيوخه الذين تلقى عنهم وتأثر بهم، كما نذكر جملة من أقرانه وتلامذته لتتبين مكانته وتعرف منزلته وتعلو شخصيته.
شيوخ الشريف:
تلقى الشريف العلم ـ خلال مرحلته التحصيلية ـ عن طائفة من شيوخه داخل تلمسان وخارجها، لذلك نتعرض إلى جملة من شيوخه بتلمسان، ثم نتناول بعض شيوخه خارج تلمسان.
شيوخ الشريف التلمساني بتلمسان:
من شيوخ الشريف أبي عبد الله بتلمسان ما يأتي:
أولًا: القاضي ابن هدية القرشي، المتوفى سنة (٧٣٦ﻫ).
ثانيًا: أبو محمَّد المجاصي، المتوفى سنة (٧٤١ﻫ).
ثالثًا: القاضي أبو عبد الله التميمي، المتوفى سنة (٧٤٥ﻫ).
رابعًا: أبو عبد الله ابن النجار، المتوفى سنة (٧٤٩ﻫ).
خامسًا: أبو موسى المشدالي، المتوفى سنة (٧٤٥ﻫ).
سادسًا: ابنا الإمام التنسي البَرِشْكي.
أبو زيد عبد الرحمن، المتوفى سنة (٧٤٣ﻫ).
أبو موسى عيسى، المتوفى سنة (٧٥٠ﻫ).
سابعًا: القاضي ابن عبد النور، المتوفى سنة (٧٤٩ﻫ).
شيوخ الشريف خارج تلمسان:
لقد أخذ الشريف العلم خارج تلمسان من علماء فاس وتونس، لذلك نتعرَّض إلى بعض شيوخه المشهورين بفاس، ثمَّ بتونس.
شيوخ الشريف التلمساني ﺑ «فاس»:
ومن شيوخه:
أولًا: عبد المؤمن الجاناتي، المتوفى سنة (٧٤٦ﻫ).
ثانيًا: أبو عبد الله السطي، المتوفى سنة (٧٤٩ﻫ).
ثالثًا: أبو عبد الله الآبلي(٩٨)، المتوفى سنة (٧٥٧ﻫ).
شيوخ الشريف التلمساني «بتونس»:
ومن أشهر شيوخه بتونس:
ـ أبو عبد الله ابن عبد السلام، المتوفى سنة (٧٤٩ﻫ).
أقران الشريف التلمساني:
ومن أقران أبي عبد الله الشريف:
ـ أبو عبد الله المقري المتوفى سنة (٧٥٩ﻫ).
ـ أبو عبد الله ابن مرزوق الخطيب، المتوفى سنة (٧٨٠ﻫ).
تلامذة الشريف التلمساني:
كان الإقراء عند أبي عبد الله الشريف من عظيم اهتماماته وفرط عنايته، وكان الطلبة في وقته أعز الناس وأكثرهم عددًا وأوسعهم رزقًا وأكرمهم مجلسًا، فتخرَّج على يده من التلامذة من لا يحصى من صدور العلماء وأعيان الفضلاء ممَّن أشاعوا ذكره وعرفوا فضله ونشروا علمه.
ولا يسعنا إلَّا أن نشير إلى أهم تلامذته ممَّن حضروا مجالسه العامرة، وتفقَّهوا بمصاحبته وتأثروا بعلمه، ثمَّ نتناول تلامذته الذين لم تسمح لهم ظروف التنقل بالأخذ عنه بالتلقي، فانتفعوا بعلمه كتابةً ومراسلةً.
تلامذة الشريف بالمصاحبة:
وعلى رأس من أخذ عن الشريف التلمساني وانتفعوا بصحبته وسط أسرته الأصيلة وخارجها ولداه أبو محمَّد عبد الله بن محمَّد المتوفى سنة (٧٩٢ﻫ) من علية الفقهاء وصدور المدرسين، وأخوه أبو يحيى عبد الرحمن بن محمَّد، المتوفى سنة (٨٢٦ﻫ)، سيد الشرفاء وشريف العلماء على ما وصفه به الونشريسي(٩٩)، فكان بيته مجتمع العلماء والصلحاء. هذا وممَّن حضروا مجالسه العامرة مرتَّبين ترتيب الوفيات:
١) ابن زَمْرك الوزير، المتوفى بعد سنة (٧٩٥ﻫ).
٢) أبو زيد ابن خلدون، المتوفى سنة (٨٠٨ﻫ).
٣) ابن قنفذ القسنطيني، المتوفى سنة (٨١٠ﻫ).
٤) ابن السكاك العياضي، المتوفى سنة (٨١٨ﻫ).
تلامذة الشريف بالمراسلة:
وممَّن أخذ عن الشريف التلمساني من فحول العلماء من العلوم عن طريق المراسلات الكتابية بإيفاد أسئلة دقيقة في مختلف العلوم قصد حل غموضها وإزاحة الإشكال عنها وإزالة لبسها، أو بعرض كتب مؤلفة بدافع إبداء الرأي والتقويم، أو ممَّن استفاد منه بالبحث عمَّا يصدر عنه من تقييد أو فتوى لحفظها وتدوينها من يأتي ذكرُه:
١) الخطيب أبو سعيد ابن لب، المتوفى سنة (٧٨٢ﻫ).
٢) لسان الدين ابن الخطيب، المتوفى سنة (٧٧٦ﻫ).
٣) أبو إسحاق الشاطبي(١٠٠)، المتوفى سنة (٧٩٠ﻫ).
هذا، ولا يخفى أنَّ الذين انتفعوا بعلمه قراءةً ونسخًا وتأليفًا ومراسلةً من تلامذته أضعاف من ذكرنا، فما هذا إلَّا غيض من فيض بالمقارنة مع مجالسه العامرة في مختلف حواضر المغرب العربي التي حلَّ بها أو في مدرسته التي بناها له أبو حمو موسى الزياني.
لم يصلنا عن أبي عبد الله الشريف التلمساني ـ رغم غزارة علمه وسعة اطلاعه ـ من خبر تآليفه سوى القليل، نظرًا لشدة عنايته بالإقراء والتعليم(١٠١) مع إشرافه على المدرسة اليعقوبية التي بناها له السلطان أبو حمو موسى، فلم يسعه الوقت لوضع التصانيف والمؤلفات، أو لعله رأى أنَّ فساد العلم كثرة التآليف(١٠٢)، جريًا على مذهب شيخه أبي عبد الله الآبلي(١٠٣)، وبالرغم من ذلك فإن ما ألَّفه من كتب جمعت بين المنقول والمعقول وفتاوي علمية قد أحيا ذكره وخَلَّد اسمه، وأكَّد عظمة شخصيته الفكرية.
هذا وقد حفظت لنا مختلف المصادر والمراجع عناوين كتبه ورسائله، فمنها ما خرج إلى حيز الوجود مطبوعًا ومتداولًا، ومنها ما بقي مخطوطًا يعلم مكان وجوده ولم يتعرَّض للتحقيق، ومنها ما بقي مخطوطًا تُجْهَل أماكن وجوده.
مؤلفات الشريف التلمساني وفتاويه:
عاش أبو عبد الله الشريف إحدى وستين سنة، عكف معظم هذه الحقبة من عمره على تحصيل العلوم النقلية والعقلية، وخالط من علماء المغرب العربي الكبير كثيرًا من أئمَّة العلم وشيوخ المعرفة، وعاين من المكتبات في شتَّى الفنون في مختلف البلدان التي رحل إليها ما به ظهرت قُوَّة عقله وعارضته وتأَكَّدت إمامته، ثمَّ أقبل على التدريس، فكان يقرأ الفقه وفي غالبه من «المدونة» لابن القاسم، ودأب على تفسير القرآن الكريم خمسًا وعشرين سنة، يفسِّر كُلَّ يوم ربع حزب منه بحضرة أكابر الملوك والعلماء وصدور الطلبة(١٠٤)، وما وسعه من وقت أقبل
عنوان | التاريخ | الاستماع | تحميل |
---|
مواعيد ماي 2024
الآن 45
هذا اليوم 1919
بالامس 7826
لهذا الأسبوع 37285
لهذا الشهر 26668
لهذه السنة 800939
منذ البدء 13070696
تاريخ البدء 2015/05/05
أعلى إحصائية 18201
بتاريخ 2019/11/14