خطبة التحذير من السحر الشيخ عبد الرزاق بن عبد المحسن البدر

التحذير من السحر
الجمعة 18 أفريل 2008    الموافق لـ : 11 ربيع ثاني 1429
تحميل الخطبة

تفريغ الخطبة

إنّ الحمد لله نحمده و نستعينه ونستغفره ونتوب إليه ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا ، من يهده الله فلا مضل له ومن يضلل الله فلا هادي له ، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أنّ محمد عبده ورسوله وصفيّه وخليله و أمينه على وحيه ومبلِّغ الناس شرعه ؛ فصلوات الله وسلامه عليه وعلى آله و صحبه أجمعين .

أما بعد معاشر المؤمنين عباد الله: اتقوا الله تعالى وراقبوه في السر والعلانية مراقبة من يعلم أن ربَّه يسمعه ويراه.

ثم اعلموا - رحمكم الله - أن أثمن شيءٍ وأغلى ما يملكه المسلم هو دينه.

ومن كلِّ شيء إذا ضيّعتَه عوضٌ *** وما مِنَ الله إن ضيعتَ من عِوض

كلُّ شيء يضيعه الإنسان له عوض عنه إلا دينه ؛ فإنَّ الدين إذا ضاع ضاعَ معه كل شيء وخسر العبد دنياه وأخراه.

عباد الله : وفي خضم جهل كثير من الناس بالدين ومكانته العظيمة ومنزلته العلية وآثاره على العبد المؤمن في الدنيا والآخرة استهانوا بأمر دينهم وباعوه بأرخص الأثمان في فتن متلاحقة وعواصف جارفة وصواد كثيرة مؤثّرة جرفت كثيراً من الناس وخلخلت أديانهم وأضعفت إيمانهم.

عباد الله : إنّ من الأمور الخطيرة التي كثرت في هذه الأزمان ووجدت بين الناس رواجاً بسبب ضعف الدين وقلة الإيمان تسلّط السحرة وأهل السحر - والعياذ بالله - على الناس من خلال مجالات كثيرة وقنوات عديدة وسُبلٍ متعددة ؛ استغلوا ضعف الناس في دينهم ، واستغلوا أيضاً ما يوجد في بعض الناس من حسد أو هلع وما يوجد كذلك في آخرين من رقةٍ في الدين وضعف في الإيمان وجهلٍ بالعقيدة ، واستغلوا أيضاً وجود قنوات اتصال كثيرة سهّلت التواصل ويسّرت الاتصال فأصبح الساحر الذي يعيش في أوغال بعيدة وفي ديار نائية يتواصل مع كثير من الناس تواصلاً سريعاً من خلال الهواتف والجوالات ، ومن خلال القنوات الفضائية ، ومن خلال الشبكة العنكبوتية بطرق ماكرة وسُبل خفية و دهاء مستمر ، مما يدعو - عباد الله - جميع المؤمنين إلى عودة صادقة وحفظ ومحافظة على دين الله تبارك وتعالى من أن يضيع على أيدي هؤلاء الآثمين وأن يذهب على أيدي هؤلاء المجرمين .

عباد الله : وهؤلاء المجرمون يستغلون الجهل بالدين والحاجة في كثير من الناس ووجود بعض البلايا والأمراض ويدّعون أن عندهم حلٌّ ومخرَج ومن هنا يتسلطون على كثير من الناس , نعم - عباد الله - عندهم حل ومخرج ولكنه حلّ لعرى الإيمان وخروجٌ من الدِّين . إذا كان الساحر - عباد الله - في نفسه حكم عليه ربُّ العالمين بأنه لا يفلح أينما توجه وذهب وسار: ﴿ وَلَا يُفْلِحُ السَّاحِرُ حَيْثُ أَتَى ﴾ [طه:٦٩] فكيف يُطلب من جهته فلاحاً أو يرجى من جهته حلاً ومخرجاً ؟!.

عباد الله : إنّ السحر وتعاطيه كفرٌ بالله تبارك وتعالى ، ومروق من دين الله تبارك وتعالى ، وخروج من الدين ، ولا يكون الساحر إلا كافراً مشركاً بالله جلّ وعلا نابذاً للقرآن متبعاً للشياطين: ﴿ وَمَا يُعَلِّمَانِ مِنْ أَحَدٍ حَتَّى يَقُولاَ إِنَّمَا نَحْنُ فِتْنَةٌ فَلاَ تَكْفُرْ ﴾ [البقرة:102] .

السّحر - عباد الله - كفرٌ بالله عز وجل ، و من تعلم السحر وتعاطاه أو ذهب إلى السحرة يرجو بغيته ومُناه فإنه بذلك يحل عرى إيمانه ويخرج رويداً رويداً من دينه . إن الواجب على عباد الله المؤمنين أن يحذروا هذه الموبقة العظيمة والرزية الجسيمة وأن يجتنبوها غاية الاجتناب ، وقد قال نبينا المصطفى صلى الله عليه وسلم : ((اجْتَنِبُوا السَّبْعَ الْمُوبِقَاتِ)) قَالُوا : يَا رَسُولَ اللَّهِ وَمَا هُنَّ ؟ قَال: ((الشِّرْكُ بِاللَّهِ ، وَالسِّحْرُ ...)) ثم ذكر بقية الأمور السبعة ؛ فذكر - عليه الصلاة والسلام - السحر في أوّل الموبقات وصدَّرها بعد الشرك بالله الذي هو أظلم الظلم وأكبر الجرم.

عباد الله : وبعض الناس يسْتَرْوِح لنفسه ويتوهم أن في الذهاب للسحرة من أجل حلِّ سحرٍ عن مسحور أو إخراجه من مأزق وقع فيه بسبب السحر أن ذلك لا بأس به ولا يتنافى مع الإسلام ؛ وهذا مفهوم خاطئ وقول غالط ، ففي المسند للإمام أحمد أن النبي صلى الله عليه وسلم سُئِلَ عَنْ النَّشْرَةِ - وهي حل السحر عن المسحور - فَقَالَ : (( مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ )) ؛ قال ذلك عليه الصلاة والسلام محذّراً أمّة الإسلام من تعاطي السحر لأيّ غرض من الأغراض ولأيّ مجال من المجالات ولو كان لأجل حَلِّ سحرٍ عن مسحور.

والواجب - عباد الله - على من ابتُلي بشيء من ذلك أن لا يكون فزعه إلا إلى الله و أن لا يعتصم إلا بالله ﴿وَمَن يَعْتَصِم بِاللّهِ فَقَدْ هُدِيَ إِلَى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ ﴾ [آل عمران:101] ، إلى الله عز وجل المفزع وإليه المفرّ وعليه التّوكلُ سبحانه وتعالى .

الواجب - عباد الله - في كلِّ ملمّة ومصيبة - سحراً أو غيره - أن يكون الرجوع إلى الله عز وجل فزعاً إليه ورجوعاً إليه وتوكلاً عليه سبحانه ، مع عناية بكتابه العظيم وتلاوة لآياته و توجّهٍ إليه تبارك وتعالى بالدّعاء مع صدق لَجَأ وتمام إخلاص ، والله جلّ وعلا يقول: ﴿وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ فَلْيَسْتَجِيبُواْ لِي وَلْيُؤْمِنُواْ بِي لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ ﴾ [البقرة:186].

نسأل الله عز وجل أن يعيذنا أجمعين من الشيطان الرجيم ومن كيد السحرة المجرمين وأن يهدينا إليه صراطاً مستقيما.

أقول هذا القول وأستغفر الله لي ولكم ولسائر المسلمين من كل ذنب فاستغفروه يغفر لكم إنه هو الغفور الرحيم.

 

الخطبة الثانية :

الحمد لله عظيم الإحسان ، واسع الفضل والجود والامتنان ، و أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له ، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله ؛ صلى الله وسلم عليه وعلى آله وصحبه أجمعين.

عباد الله : اتقوا الله تعالى .

عباد الله : في قلة دراية الناس بدينهم وجهلهم بعقيدتهم أصبحوا يسترخصون الدين عند أدنى مشكلة وأقلّ مصيبة ، أيليق بمسلم - عباد الله - أن يبيع دينه بسبب مرض ألمّ به أو مصيبة حلّت ونزلت !! أيليق به أن يضيِّع دينه في هذه الحياة بسبب ما يواجه من هموم ومشكلات !! أجهِل أهلُ الدين أنّ الحل والمخرج في كلّ مشكلة نزلت وكلّ بليّة حلّت هو الرجوع إلى الله تبارك وتعالى !! ﴿ فَفِرُّوا إِلَى اللَّهِ ﴾ [الذاريات:50] ؛ المفر إليه والملجأ والمفزع إليه سبحانه ، كما كان نبيُّنا عليه الصلاة والسلام يقول: (( لاَ مَلْجَأَ وَلاَ مَنْجَا مِنْكَ إِلاَّ إِلَيْكَ )).

عباد الله : إنّ الحلَّ في كلِّ مشكلة والمخرج في كلِّ مصيبة أن نعود إلى ديننا عودةً صادقة يقول عليه الصلاة والسلام: (( إِنَّهُ مَنْ يَعِشْ مِنْكُمْ بَعْدِي فَسَيَرَى اخْتِلَافًا كَثِيرًا ، فَعَلَيْكُمْ بِسُنَّتِي وَسُنَّةِ الْخُلَفَاءِ الرَّاشِدِينَ الْمَهْدِيِّينَ ، فَتَمَسَّكُوا بِهَا وَعَضُّوا عَلَيْهَا بِالنَّوَاجِذِ ، وَإِيَّاكُمْ وَمُحْدَثَاتِ الْأُمُورِ ؛ فَإِنَّ كُلَّ مُحْدَثَةٍ بِدْعَةٌ ، وَكُلَّ بِدْعَةٍ ضَلَالَةٌ)).

هذا وصلوا وسلموا - رعاكم الله - على محمّد بن عبد الله كما أمركم الله بذلك في كتابه فقال: ﴿ إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيماً ﴾ [الأحزاب:٥٦] ، وقال صلى الله عليه وسلم : (( مَنْ صَلَّى عَلَيَّ صَلاةً صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ بِهَا عَشْرًا )).

اللهم صلِّ على محمد وعلى آل محمد كما صليت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم إنّك حميد مجيد ، وبارك على محمد وعلى آل محمد كما باركت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم إنّك حميد مجيد ، وارضَ اللهم عن الخلفاء الراشدين الأئمة المهديين أبي بكر وعمر وعثمان وعلي ، و ارضَ اللهم عن الصّحابة أجمعين وعن التابعين ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين ، وعنّا معهم بمنّك وكرمك وإحسانك يا أكرم الأكرمين.

اللهمّ أعنّا ولا تعِن علينا وانصرنا ، ولا تنصر علينا ، وامكر لنا ولا تمكر علينا ، واهدنا ويسِّر الهدى لنا ، وانصرنا على من بغى علينا. اللهمّ اجعلنا لك شاكرين ، لك ذاكرين ، إليك أوّاهين منيبين ، لك مخبتين لك مطيعين. اللهمّ تقبل توبتنا واغسل حوبتنا ، وتقبل دعوتنا ، وثبِّت حجتنا ، وسدد ألسنتنا ، واسلل سخيمة صدورنا.

اللهمّ وأصلح ذات بيننا وألف بين قلوبنا واهدنا سبل السلام وأخرجنا من الظلمات إلى النور ، وبارك لنا في أسماعنا وأبصارنا وقواتنا وأموالنا وذرياتنا وأزواجنا واجعلنا مباركين أينما كنا .

اللهمّ آت نفوسنا تقواها زكِّها أنت خير من زكاها أنت وليها ومولاها . اللهمّ آمنا في أوطاننا وأصلح أئمتنا وولاة أمورنا واجعل ولايتنا في من خافك واتقاك واتبع رضاك يا ربّ العالمين. اللهم وفِّق ولي أمرنا لما تحب وترضى وأعِنه على البر والتقوى. اللهم اغفر لنا ولوالدينا وللمسلمين والمسلمات والمؤمنين والمؤمنات الأحياء منهم والأموات.

اللهم أغثنا ، اللهم أغثنا ، اللهم أغثنا ، اللهم إنا نسألك الغيث فلا تجعلنا من القانطين، اللهم إنا نسألك الغيث فلا تجعلنا من اليائسين، اللهم أغث قلوبنا بالإيمان وديارنا بالمطر.

وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين ، وصلّى الله وسلّم وبارك وأنعم على عبد الله ورسوله نبينا محمد وآله وصحبه أجمعين.