خطبة الحث على النكاح والتحذير من منكرات الأفراح الشيخ عبد الرزاق بن عبد المحسن البدر

الحث على النكاح والتحذير من منكرات الأفراح
الجمعة 31 ماي 2002    الموافق لـ : 19 ربيع أول 1423
تحميل الخطبة

تفريغ الخطبة

الحث على النكاح والتحذير من منكرات الأفراح

خطبة جمعة بتاريخ / 19-3-1423 هـ

 

إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ونتوب إليه ، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا ، من يهده الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادي له ، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له ، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله وصفيه وخليله وأمينه على وحيه بلّغ الرسالة وأدى الأمانة ونصح الأمة وجاهد في الله حق جهاده حتى أتاه اليقين ؛ فصلوات الله وسلامه عليه وعلى آله وصحبه أجمعين .

عباد الله : اتقوا الله واشكروه أن خلق لكم من أنفسكم أزواجاً لتسكنوا إليها وجعل بينكم مودة ورحمة إن في ذلك لآيات لقوم يتفكرون .

إن الزواج نعمة عظيمة منَّ الله بها على عباده ذكورهم وإناثهم ، أحلَّه لهم بل أمرهم به ورغبهم فيه فقال سبحانه : { فَانْكِحُوا مَا طَابَ لَكُمْ مِنَ النِّسَاءِ مَثْنَى وَثُلَاثَ وَرُبَاعَ فَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا تَعْدِلُوا فَوَاحِدَةً أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ } [النساء:3]  قال النبي صلى الله عليه وسلم : «يَا مَعْشَرَ الشَّبَابِ مَنِ اسْتَطَاعَ مِنْكُمُ البَاءَةَ فَلْيَتَزَوَّجْ، فَإِنَّهُ أَغَضُّ لِلْبَصَرِ وَأَحْصَنُ لِلْفَرْجِ» ، وقال صلى الله عليه وسلم : « لَكِنِّي أُصَلِّي وَأَنَامُ، وَأَصُومُ وَأُفْطِرُ، وَأَتَزَوَّجُ النِّسَاءَ، فَمَنْ رَغِبَ عَنْ سُنَّتِي فَلَيْسَ مِنِّي» . وكما أن النكاح سنة نبينا صلى الله عليه وسلم فهو سنة المرسلين من قبله ، قال الله تعالى : { وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلًا مِنْ قَبْلِكَ وَجَعَلْنَا لَهُمْ أَزْوَاجًا وَذُرِّيَّةً } [الرعد:38] .

ففي النكاح امتثال أمر الله ورسوله صلى الله عليه وسلم ، وفي النكاح اتباع سنة النبي صلى الله عليه وسلم ومن سبقه من المرسلين ، وفي النكاح قضاء الوطر وسرور القلب وفرح النفس ، وفي النكاح تحصين الفرج وحماية العرض ، وفي النكاح غض البصر والبعد عن الفتنة ، وفي النكاح بقاء النوع الإنساني وعمارة الأرض ، وفي نكاح المسلمين تكثير الأمة الإسلامية وقوتها واكتفاؤها بنفسها , وفي النكاح تحقيق مباهاة النبي صلى الله عليه وسلم ؛ حيث يباهي الأنبياء بأمته يوم القيامة , وفي النكاح تكوين الأسر وتقريب بعضهم من بعض وقوة الروابط والصلة بينهم , وفي النكاح قيامٌ بحقوق الزوجية يؤجَر به كل من الزوجين إذا قاما به لله عز وجل ، وفي النكاح حصول الأولاد والأجر بتربيتهم والقيام عليهم . فالنكاح عباد الله صلاح للأمة كلها للفرد والجماعة للرجال والنساء في الدّين والدنيا وفي الحاضر والمستقبل .

عباد الله : وقد مضت السنة وفعل الأخيار من سلف الأمة بإعلان النكاح والوليمة فيه وإظهار الفرح به ؛ ففي الصّحيحين من حديث أنس بن مالك رضي الله عنه أنه قال ((مَا أَوْلَمَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى شَيْءٍ مِنْ نِسَائِهِ مَا أَوْلَمَ عَلَى زَيْنَبَ أَوْلَمَ بِشَاةٍ )). وفي البخاري في قصة زواج الفارعة بنت أسعد قال صلى الله عليه وسلم ((مَا كَانَ مَعَكُمْ لَهْوٌ فَإِنَّ الْأَنْصَارَ يُعْجِبُهُمْ اللَّهْوُ ))  .

وقد اتفقت كلمة العلماء أن المقصود بالإطعام ما لم يكن ذا بذْخٍ ومباهاة ، وما كان بعيدا عن الإسراف والتبذير, فإن ذلك مما نهى الله عباده عنه وحذّرهم منه , وبيّن العلماء الناصحون أن المقصود باللهو في الحديث ما كان بعيداً عن الغناء الفاحش بالكلمات البذيئة المصحوبة بالمعازف وآلات اللهو المحرمة , واستثنى الشارع الدُّفَ عند إعلان النكاح .

عباد الله : كم يسعَدُ المؤمنون بكثرة حفلات الزّواج لما فيه من مصالح عظيمة للأمة بأسرها خاصة في هذا الزمان الذي عظمت فيه الفتن وتزايدت فيه أسباب الفواحش وطرائق الشهوات ، ولكن في الوقت نفسه كم يحزَنُ الغيورون بسبب ما يقع في بعض هذه الحفلات من معاصٍ ومنكرات لا تتفق مع ما جاء به الشرع الحنيف والدين القويم , ومَن ذا الذي يفرح بالمعاصي ويسعَدُ بالمنكرات!!  وهو يعلم أنها سبب في عدم التوفيق وطريق إلى إماتة القلوب .

عباد الله : إن من منكرات الأفراح أن تُجعل ميدانا للتفاخر والمباهاة فيكلف الإنسان نفسه ما لا يطيق ويَتّبع طرائق لا قِبَل له بها فيكون بذلك الإسراف المذموم , وفاعل ذلك معرِّضٌ نفسه لعدم محبة الله لقول الله تعالى: ﴿ وَلَا تُسْرِفُوا إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ﴾ [الأعراف:٣١]  ، فهل يرضى المؤمن أن يفعل شيئاً لا يحبه الله من أجله ؟ وهل يرضى أن يقع في ما نهاه الله عنه ؟ وهل يرضى أن يخرج بعمله عن طريق عباد الرحمن ﴿ وَالَّذِينَ إِذَا أَنْفَقُوا لَمْ يُسْرِفُوا وَلَمْ يَقْتُرُوا وَكَانَ بَيْنَ ذَلِكَ قَوَامًا﴾ [الفرقان:٦٧] ، مع ما في هذا الإسراف من امتهانٍ للنّعمة وإضاعةٍ للمال وإهدارٍ للأوقات .

عباد الله : ومن منكرات الأفراح ما يقع في بعضها من إدخالٍ للعريس مع النساء بحجة أنه تقليدٌ وعُرفٌ مُتَّبع , وفي الحديث يقول صلى الله عليه وسلم ((إِيَّاكُمْ وَالدُّخُولَ عَلَى النِّسَاءِ )) فهل يترك هدي محمد صلى الله عليه وسلم وأمره ليجامِل الناس في واقع يعيشه أو هوىً يتبعه أو عُرفٌ يزعم أنه لا يستطيع الانفكاكَ عنه !! .

عباد الله : إن إدخال العريس على مجمع النساء منكرٌ عظيم يجب اجتنابه والتحذير منه كما يجب اجتناب ما يصاحب ذلك في بعض الأفراح من التقاطٍ للصور التذكارية في اللقاء بين الزوج والزوجة في أبهى حلتها وأحسن زينتها , وسبحان الله !! كيف بلغ الأمر بهؤلاء إلى هذا التدهور والتهور !! ومن الذي يرضى أن يلتقط لمحارمه الصور وهنّ في أبهى حلة وأجمل زينة لتكون تلك الصُّور بعد ذلك بأيدي الناس يعرضونها ولاسيما ضعاف النفوس يعرضونها على من شاءوا ويتمتعون بالنظر إلى الجميل منها متى شاءوا وذمِّ غير الجميل , وهل يرضى غَيور أن تكون صورة ابنته أو أخته أو زوجته بأيدي الناس ؟ وهل يرضى غيور أن تكون صورته أول لقاءٍ بينه وبين زوجته معروضة يتداولها الناس بينهم ؟ إن هذا مما تنكره الفطر السليمة وتأباه العقول السليمة وتَمُجُّه النفوس السوية .

عباد الله : وإن من الأمور المنكرة في بعض حفلات الزواج تأخير الطعام ولاسيما طعام النساء حتى ساعات متأخرة من الليل ليكون ذلك سبباً - ولو من غير قصد - في عجز كثير من الرجال عن القيام بإيصال محارمهم من النساء  فتبقى النساء خارج مقر الحفل في وقت متأخر من الليل يبحثن عمن يقوم بإيصالهن ، وفي ذلك من المحاذير والأضرار ما لا يخفى ، بل كم وجدتْ بعضُ المؤمنات العفيفات بسبب ذلك من أنواع الأذى من مرضى القلوب وضعاف النفوس والله المستعان . والواجب الشرعي عباد الله يحتِّم على ولي المرأة أن يعيدها معه حال عودته أو يعود إليها وقت خروجها ، وهذا نوع من الحل ؛ وإلا فالشرع أصلاً لا يسوّغ مثل هذا السهر المحرم لما فيه من مفاسد وأضرار .

عباد الله : إن المقام هنا مقام تذكير وليس مقامَ حصر وتفصيل ؛ وإلا فكم من المنكرات التي يجب النهي عنها والتحذير منها , كلجوء كثير من النساء عند الأفراح وغيرها إلى الزينة المحرمة الممنوعة شرعا : كالنمص ، والوشر ، والوشم ، والتشبه بالكافرات في قص الشعر وغير ذلك من كبائر الذنوب التي لعن النبي صلى الله عليه وسلم من فعلها .

عباد الله : ما أجملَ أن تكون أفراحنا في الدنيا متفقة مع الشّرع لتكون ممهِّدة لأفراحنا في الآخرة يوم نلقى الرب عز وجل ؛ يوم يلقى المؤمنون المتقون ربّهم فيجازيهم أحسن الجزاء على صبرهم على طاعته وبُعدهم عن معصيته وامتثالهم لأوامره .

وفقنا الله جميعاً لهداه وسلك بنا طريق رضاه . أقول هذا القول وأستغفر الله لي ولكم ولسائر المسلمين من كل ذنب فاستغفره يغفر لكم إنه هو الغفور الرحيم .

 

الخطبة الثانية :

الحمد لله عظيم الإحسان واسع الفضل والجود والامتنان ، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك ، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله ؛ صلى الله وسلم عليه وعلى أله وأصحابه أجمعين .

أما بعد أيها المؤمنون : أوصيكم ونفسي بتقوى الله فإن تقوى الله جلَّ وعلا هي أساس السعادة وسبيل الفلاح في الدنيا والآخرة ، وتقوى الله جلَّ وعلا هي أن تعمل بطاعة الله على نورٍ من الله ترجو ثواب الله ، وأن تترك معصية الله على نورٍ من الله تخاف عقاب الله .

عباد الله : وإن من المشكلات العويصة المتعلقة بالزواج ما يقع لدى بعض أولياء الأمور من تزييد في المهر ومغالاة في المهور مما سبَّب تأخيراً لدى كثير من الشباب عن الزواج ، ومما سبَّب كذلك في ذهاب البركة في كثير من الأنكحة , وقد جاء في الحديث الصحيح عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال (( أعظم النساء بركة أيسرهن مؤونة )) ؛ فلنتق الله عباد الله في نسائنا ومحارمنا وشبابنا ، ولنتعامل في ضوء هدي النبي الكريم وسنته صلوات الله وسلامه عليه , فإنه لا يدل الأمة إلا لكل خير ولا ينهاهم إلا عن كل شر .

واعلموا - رحمكم الله - أن أصدق الحديث كلام الله وخير الهدى هدى محمد صلى الله عليه وسلم ، وشر الأمور محدثاتها ، وكل محدثة بدعة ، وكلّ بدعة ضلالة ، وكل ضلالة في النار ، وعليكم بالجماعة فإنّ يد الله على الجماعة ومن شذَّ شذ في النار .

وصلوا وسلموا رحمكم الله على محمد بن عبد الله كما أمركم الله بذلك في كتابه فقال: ﴿ إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيماً ﴾ [الأحزاب:٥٦] ، وقال صلى الله عليه وسلم : (( مَنْ صَلَّى عَلَيَّ صَلاةً صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ بِهَا عَشْرًا)).

اللهم صل على محمد وعلى آل محمد كما صليت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم إنك حميد مجيد ، وبارك على محمد وعلى آل محمد كما باركت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم إنك حميد مجيد . وارض اللهم عن الخلفاء الراشدين الأئمة المهديين أبي بكر الصديق وعمر الفاروق وعثمان ذي النورين وأبي السبطين علي , وارض اللهم عن الصحابة أجمعين ومن اتبعهم بإحسان إلى يوم الدين وعنا معهم بمنك وكرمك وإحسانك يا أكرم الأكرمين .

اللهم أعز الإسلام والمسلمين ، وأذل الشرك والمشركين ، ودمر أعداء الدين ، واحم حوزة الدين يا رب العالمين, اللهم انصر الإسلام والمسلمين , اللهم انصر الإسلام والمسلمين , اللهم انصر إخواننا المسلمين في كل مكان , اللهم انصرهم في فلسطين وفي كل مكان , اللهم انصرهم نصرا مؤزرا , اللهم أيدهم بتأييدك واحفظهم بحفظك واكلأهم برعايتك وعنايتك يا حي يا قيوم يا ذا الجلال والإكرام .

اللهم آمنا في أوطاننا وأصلح أئمتنا وولاة أمورنا واجعل ولايتنا فيمن خافك واتقاك واتبع رضاك يا رب العالمين , اللهم وفق ولي أمرنا لما تحب وترضى ، وأعنه على البر والتقوى ، وسدده في أقواله وأعماله وألبسه ثوب الصحة والعافية يا ذا الجلال والإكرام , اللهم وفق جميع ولاة أمر المسلمين للعمل بكتابك واتباع سنة نبيك محمد صلى الله عليه وسلم .

اللهم آت نفوسنا تقواها ، زكها أنت خير من زكاها أنت وليها ومولاها , اللهم أصلح لنا ديننا الذي هو عصمة أمرنا ، وأصلح لنا دنيانا التي فيها معاشنا ، وأصلح لنا آخرتنا التي فيها معادنا ، واجعل الحياة زيادة لنا في كل خير والموت راحة لنا من كل شر .

اللهم اغفر لنا ذنبنا كله دقه وجله أوله وآخره سره وعلنه , اللهم اغفر لنا ما قدمنا وما أخرنا وما أسررنا وما أعلنا وما أنت أعلم به منا أنت المقدم وأنت المؤخر لا إله إلا أنت . اللهم اغفر ذنوب المذنبين وتب على التائبين واكتب الصحة والسلامة والعافية لعموم المسلمين , اللهم فرج هم المهمومين من المسلمين ونفس كرب المكروبين واقض الدين عن المدينين واشف مرضانا ومرضى المسلمين .

اللهم أصلح ذات بيننا وألف بين قلوبنا واهدنا سبل السلام وبارك لنا في أزواجنا وذرياتنا وأموالنا واجعلنا مباركين أينما كنا , اللهم اجعلنا شاكرين لنعمتك معترفين لك بها مستعملين لها في طاعتك يا حي يا قيوم يا ذا الجلال والإكرام . ربنا إنا ظلمنا أنفسنا وإن لم تغفر لنا وترحمنا لنكونن من الخاسرين , ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار .

عباد الله : اذكروا الله يذكركم ، واشكروه على نعمه يزدكم ، ) وَلَذِكْرُ اللَّهِ أَكْبَرُ وَاللَّهُ يَعْلَمُ مَا تَصْنَعُونَ ( .