خطبة فتنة النساء الشيخ عبد الرزاق بن عبد المحسن البدر

فتنة النساء
الجمعة 1 أوت 2008    الموافق لـ : 28 رجب 1429
تحميل الخطبة

تفريغ الخطبة

فتنة النساء

خطبة جمعة بمسجد القبلتين بتاريخ / 29-7-1429 هـ

 

إنَّ الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ونتوب إليه ، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا ، من يهده الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادي له ، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له ، وأشهد أن محمّداً عبده ورسوله وصفيه وخليله وأمينه على وحيه ومبلّغ النّاس شرعه ، ما ترك خيراً إلا دلّ الأمّة عليه ولا شرّاً إلا حذّرها منه؛ فصلوات الله وسلامه عليه وعلى آله و صحبه أجمعين .

أما بعد معاشر المؤمنين عباد الله : اتقوا الله تعالى وراقبوه مراقبة من يعلم أنّ ربَّه يسمعه ويراه .

عباد الله : فتنةٌ عظيمة خافها النبيُّ صلى الله عليه وسلم على أمّته خوفاً عظيما وحذّر صلوات الله وسلامه عليه كثيراً من مغبّتها وسوء عاقبتها نصحاً للأمّة ومعذرة في بيان دين الله تبارك وتعالى ، ولقد كان عليه الصّلاة والسّلام معلِّماً أميناً وناصحاً مشفقاً فما ترك خيراً إلا دلَّ الأمّة عليه ولا شرّاً إلا حذّرها منه .

عباد الله : روى الشّيخان - البخاريُّ ومسلم - من حديث أسامة بن زيد رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ((مَا تَرَكْتُ بَعْدِي فِتْنَةً هِيَ أَضَرُّ عَلَى الرِّجَالِ مِنْ النِّسَاءِ)) ، وروى مسلم في صحيحه من حديث أبي سعيد الخدري رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : (( اتَّقُوا الدُّنْيَا وَاتَّقُوا النِّسَاءَ ؛ فَإِنَّ أَوَّلَ فِتْنَةِ بَنِى إِسْرَائِيلَ كَانَتْ فِى النِّسَاءِ)) ، وروى الترمذيُّ بإسناد ثابت من حديث عبد الله بن مسعود رضي الله عنه أن النبيَّ صلى الله عليه وسلّم قال : ((الْمَرْأَةُ عَوْرَةٌ فَإِذَا خَرَجَتِ اسْتَشْرَفَهَا الشَّيْطَانُ)) أي جعلها غرضا له من خلالها ينشر الرذيلة ويكثر الفساد ويعمم الشر بين الناس.

عباد الله : والأحاديث في هذا المعنى عن نبيِّنا صلوات الله وسلامه عليه كثيرة جداً ، وهي - عباد الله - تأتي في باب عظيم ألا وهو : صيانة المجتمع وصيانة الأمّة والمحافظة على المرأة والرِّعاية لها ؛ فإنّ هذه الأحاديث وغيرها مما جاء عن رسول الله صلى الله عليه وسلم تُعدّ بحقٍّ - عباد الله - صِمَام أمان للمرأة ولبيتها ولمجتمعها بأسره من أن تحل به الرذيلة أو أن ينتشر فيه الشر والفساد .

عباد الله : ومن يتأمّل التاريخ على طول مداه يجد أن تفريط المرأة وولي أمرها بهذه الآداب الفاضلة والتوجيهات الكاملة للمرأة يجد أن ذلك سبباً لانتشار الرذيلة وعموم الفاحشة ، بل إنّ ذلك سبب لانهيار الحضارات وتفكّك المجتمعات وحلول العقوبات . ولهذا - عباد الله - كان واجباً على المرأة وعلى ولي أمرها أن يُعنوا بآداب الإسلام  توجيهاته الفاضلة التي هي صيانة للمرأة ورعاية لها ولمجتمعها بأسره .

عباد الله : لقد جاء في كتاب ربِّنا وسنّة نبيِّنا صلوات الله وسلامه عليه توجيهات عديدة وإرشادات قويمة ينبغي على المرأة ومعها ولي أمرها أن تأخذ بها مأخذ الجد والاهتمام ؛ لأنّها صلاحٌ لها وفلاح ورفعة .

 

وهذه وقفة - عباد الله - مع بعض التوجيهات في كتاب الله وسنة نبيه عليه الصلاة والسلام مما هو متعلّق بالمرأة .

  • · عباد الله : المرأة مأمورة بالقرار في البيت ولا تخرج منه إلا لحاجة ملحة ، وتخرج غير متبرجة بزينة : {وَقَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَّ وَلَا تَبَرَّجْنَ تَبَرُّجَ الْجَاهِلِيَّةِ الْأُولَى } [الأحزاب:33] .
  • والمرأة - عباد الله - مأمورة بالحجاب والستر والحشمة ورعاية ذلك رعاية تامّة ، وكما تقدم معنا (( المرأة عورة )) ولهذا وجب عليها إن اضطرت للخروج أن تخرج محتشمة بحجابها الكامل {يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُل لِّأَزْوَاجِكَ وَبَنَاتِكَ وَنِسَاء الْمُؤْمِنِينَ يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِن جَلَابِيبِهِنَّ ذَلِكَ أَدْنَى أَن يُعْرَفْنَ فَلَا يُؤْذَيْنَ وَكَانَ اللَّهُ غَفُوراً رَّحِيماً } [الأحزاب:59] ، وقال جلّ وعلا : { وَلْيَضْرِبْنَ بِخُمُرِهِنَّ عَلَى جُيُوبِهِنَّ } [النور:31 ].
  • عباد الله : والمرأة منهية عن الاختلاط  بالرّجال والتحادث معهم وجهاً لوجه ، قال الله تعالى : {وَإِذَا َسأَلْتُمُوهُنَّ مَتَاعاً فَاسْأَلُوهُنَّ مِن وَرَاء حِجَابٍ ذَلِكُمْ أَطْهَرُ لِقُلُوبِكُمْ وَقُلُوبِهِنَّ} [الأحزاب:53] ، وفي المسجد يقول عليه الصلاة والسلام : ((خَيْرُ صُفُوفِ الرِّجَالِ أَوَّلُهَا وَشَرُّهَا آخِرُهَا وَخَيْرُ صُفُوفِ النِّسَاءِ آخِرُهَا وَشَرُّهَا أَوَّلُهَا)) تنبيهاً على هذا المعنى العظيم . واختلاط المرأة بالرجال سبب للشر والفساد ، قال ابن القيم رحمه الله : "إن تمكين النّساء من الاختلاط بالرّجال أصل كل بلية وشر ، وهو سبب انتشار الفواحش والرذائل ، وهو سبب الموت العام والطواعين العامة ، وسبب فساد أمر العامة والخاصة ، ولهذا حذّر الله من ذلك وحذّر من ذلك نبيُّه عليه الصّلاة والسلام " .
  • عباد الله : والمرأة مأمورة إذا اضطرت إلى حديثٍ مع رجل أجنبي ألا تخضع بالقول لئلا يطمع فيها ذووا القلوب المريضة ، قال تعالى : { فَلَا تَخْضَعْنَ بِالْقَوْلِ فَيَطْمَعَ الَّذِي فِي قَلْبِهِ مَرَضٌ وَقُلْنَ قَوْلاً مَّعْرُوفاً } [الأحزاب:32].
  • والمرأة مأمورة - عباد الله - إذا خرجت أن لا تبدي شيئاً من زينتها وأن لا تُظهر شيئاً من حليّها وأن لا تتعطَّر ولا تتزيّن ، وفي هذا يقول الله تبارك وتعالى: { وَلَا يَضْرِبْنَ بِأَرْجُلِهِنَّ لِيُعْلَمَ مَا يُخْفِينَ مِن زِينَتِهِنَّ } [النور:31] ، وفي الحديث الصحيح يقول عليه الصلاة والسلام: ((أَيُّمَا امْرَأَةٍ اسْتَعْطَرَتْ – أي مست طيبا - فَمَرَّتْ عَلَى قَوْمٍ لِيَجِدُوا مِنْ رِيحِهَا فَهِيَ زَانِيَةٌ )) حديث صحيح .
  • عباد الله : والمرأة منهية عن الخلوة بالرجل الأجنبي ولهذا يقول عليه الصلاة والسلام : ((أَلَا لَا يَخْلُوَنَّ رَجُلٌ بِامْرَأَةٍ إِلَّا كَانَ ثَالِثَهُمَا الشَّيْطَانُ)) .
  • ولا يحل لها أن تسافر مع غير ذي محرم كما قال نبينا عليه الصلاة والسلام ((لَا يَحِلُّ لِامْرَأَةٍ تُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ تُسَافِرُ مَسِيرَةَ يَوْمٍ إِلَّا مَعَ ذِي مَحْرَمٍ))

عباد الله : توجيهاتٌ عظيمة وإرشاداتٌ سديدة ونصائح ثمينة غالية يجب على المرأة وعلى وليها على حد سواء أن يأخذوا بها مأخذ الجد والاهتمام تقوًى لله عزّ وجلّ وقياماً بدينه سبحانه وصيانةً للمرأة وصيانة لبيتها وصيانة لمجتمعها ، وإذا فرطت المرأة وولي أمرها بهذه التوجيهات حلّ الفساد وحلّ الشر وندموا على ذلك أشد الندم حيث لا تنفع الندامة .

ألا فلنتق الله - عباد الله - ولنأخذ بهذه التوجيهات مأخذ الجد والاهتمام ، ونسأل الله تبارك وتعالى أن يوفقنا  جميعاً لصلاح بيوتنا وصلاح نسائنا وصلاح بناتنا وصلاح ذرياتنا وصلاح أحوالنا كلها إنه تبارك وتعالى سميع الدعاء وهو أهل الرجاء وهو حسبنا ونعم الوكيل .

 

الخطبة الثانية :

الحمد لله عظيم الإحسان، واسع الفضل والجود والامتنان ، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له ، وأشهد أنّ محمّداً عبده ورسوله صلى الله وسلم عليه وعلى آله وصحبه أجمعين .

أما بعد عباد الله : اتقوا الله تعالى ، فإنّ من اتقى الله وقاه وأرشده إلى خير أمور دينه ودنياه . وتقوى الله جلّ وعلا عملٌ بطاعة الله على نورٍ من الله رجاء ثواب الله ، وتركٌ لمعصية الله على نور من الله خيفة عذاب الله . واعلموا رعاكم الله أنّ الكيس من عباد الله من دان نفسه وعمل لما بعد الموت ، والعاجز من أتبع نفسه هواها وتمنى على الله الأماني . واعلموا أنّ أصدق الحديث كلام الله ، وخير الهدى هدى محمّد صلى الله عليه وسلّم ، وشرّ الأمور محدثاتها ، وكلّ محدثة بدعة ، وكل بدعة ضلالة ، وعليكم بالجماعة فإن يد الله على الجماعة . وصلوا و سلموا رعاكم الله على محمد ابن عبد الله كما أمركم الله بذلك في كتابه فقال: ﴿ إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيماً ﴾ [الأحزاب:٥٦] ، وقال صلى الله عليه وسلم : (( مَنْ صَلَّى عَلَيَّ صَلاةً صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ بِهَا عَشْرًا)).

اللهمّ صلِّ على محمّد وعلى آل محمد كما صليت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم إنك حميد مجيد ، وبارك على محمد وعلى آل محمد كما باركت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم إنك حميد مجيد . وارضَ اللّهمّ عن الخلفاء الراشدين الأئمة المهديين أبي بكر وعمر وعثمان وعلي ، وارض اللهم عن الصحابة أجمعين ، وعن التابعين ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدّين ، وعنا معهم بمنِّك وكرمك وإحسانك يا أكرم الأكرمين .

اللهمَّ أعزّ الإسلام والمسلمين وأذلّ الشِّرك والمشركين ودمِّر أعداء الدِّين . اللّهم آمنا في أوطاننا وأصلح أئمّتنا وولاة أمورنا ، اللهم وفِّق ولي أمرنا لهداك واجعل عمله في رضاك .

اللّهم آت نفوسنا تقواها ، زكّها أنت خير من زكّاها ، اللّهم أصلح ذات بيننا وألِّف بين قلوبنا واهدنا سبل السلام وأخرجنا من الظلمات إلى النور ، وبارك لنا في أسماعنا وأبصارنا وأزواجنا وذرياتنا وأموالنا وأوقاتنا واجعلنا مباركين أينما كنّا ، اللهمّ ارفع عنّا الغلا والوبا والمحن كلَّها والزّلازل والفتن ما ظهر منها وما بطن .

اللهم اغفر لنا أجمعين ، اللهم اغفر لنا أجمعين ، اللهم وفقنا أن نتوب إليك توبةً نصوحا ، اللهمّ وفقنا إلى أن نتوب إليك توبة نصوحاً ، اللهم تقبّل توبتنا واغسل حوبتنا وأجب دعوتنا وسدِّد حجتنا وثبِّت قلوبنا واسلل سخيمة صدورنا . اللهمّ اغفر لنا ولوالدينا وللمسلمين والمسلمات والمؤمنين والمؤمنات . ربَّنا آتنا في الدّنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار .

عباد الله : اذكروا الله يذكركم ، واشكروه على نعمه يزدكم ، ) وَلَذِكْرُ اللَّهِ أَكْبَرُ وَاللَّهُ يَعْلَمُ مَا تَصْنَعُونَ ( .