خطبة من فضائل الصوم وآدب الصائم الشيخ علي بن يحيى الحدادي

من فضائل الصوم وآدب الصائم
الجمعة 22 مارس 2024    الموافق لـ : 12 رمضان 1445
1.7M
00:03:43
تحميل الخطبة

تفريغ الخطبة

إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم تسليما

 أما بعد:

فاتقوا الله عباد الله واشكروه على نعمة إدراك شهر رمضان، فإن من شهده فصامه وقامه مخلصاً لله غفر له خطيئتَه، ورفع درجتَه، وضاعف أجره ومثوبتَه، وأعتق من النار رقبتَه.

أَمّا مغفرةُ ذنوبِ الصائمِ فدليلهُ قولُهُ ﷺ “مَن صام رمضانَ إيماناً واحتساباً غُفِرَ له ما تقدّم من ذنبه” متفق عليه.

وأما رِفْعةُ درجته، فعن جابرٍ عن النبي ﷺ أنه قال: ” أَلا أُحدِّثكُم بِغُرَفِ الْجنَّة؟ قلت: بلَى يَا رَسُول الله بأبينا أَنْتَ وَأُمِّنا. قَالَ إِن فِي الْجنَّة غُرفاً من أَصْنَافِ الْجَوْهَر كُلِّه يُرى ظَاهرُهَا من بَاطِنهَا وباطنُها من ظَاهرِهَا، فِيهَا من النَّعيمِ وَاللَّذَّاتِ والشَّرَف مَا لَا عينٌ رَأَتْ وَلَا أُذنٌ سَمِعت، قَالَ جابر: قلتُ: لمن هَذِه الغُرف؟ قَالَ لمن أفشى السَّلَام وَأطْعمَ الطَّعَام وأدام الصّيام وَصلى بِاللَّيْلِ وَالنَّاس نيام” رواه البيهقي.

وأما كثرةُ الأجرِ والثواب على الصيام فقال تعالى:”وَالصَّائِمِينَ وَالصَّائِمَاتِ وَالْحَافِظِينَ فُرُوجَهُمْ وَالْحَافِظَاتِ وَالذَّاكِرِينَ اللَّهَ كَثِيرًا وَالذَّاكِرَاتِ أَعَدَّ اللَّهُ لَهُمْ مَغْفِرَةً وَأَجْرًا عَظِيمًا” وفي الصحيح قال ﷺ ” كُلُّ عَمَلِ ابْنِ آدَمَ يُضَاعَفُ، الْحَسَنَةُ عَشْرُ أَمْثَالِهَا إِلَى سَبْعمِائَة ضِعْفٍ، قَالَ اللهُ عَزَّ وَجَلَّ: إِلَّا الصَّوْمَ، فَإِنَّهُ لِي وَأَنَا أَجْزِي بِهِ، يَدَعُ شَهْوَتَهُ وَطَعَامَهُ مِنْ أَجْلِي “

وأما دليلُ عتقِ رقبةِ الصائم من النار، فقوله ﷺ: “ما من عبد يصوم يوماً في سبيل الله تعالى إلا باعد الله بذلك اليوم وجهه عن النار سبعين خريفاً” متفق عليه.  وقال ﷺ: “وَلِلَّهِ عُتَقَاءُ مِنَ النَّارِ. وذلك كلَّ ليلة” أي في كُلِّ ليلةٍ من ليالي رمضان. فهنيئاً لمن بلغوا رمضان، فصاموا نهاره وقاموا ليله إيماناً واحتساباً، هنيئاً لهم بالفرحة العاجلة عند فطرهم، وهنيئاً لهم بالفرحة الكبرى عند لقاء ربهم يوم يقال لهم: “كُلُوا وَاشْرَبُوا هَنِيئًا بِمَا أَسْلَفْتُمْ فِي الْأَيَّامِ الْخَالِيَةِ” جعلني وإياكم ووالدِينا منهم بمنّهِ وكرمه، أقول هذا القول وستغفر الله لي ولكم من كل ذنب فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم.

الخطبة الثانية

الحمد لله على إحسانه والشكر له على توفيقه وامتنانه وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمداً عبده ورسوله الداعي إلى رضوانه صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً،

أما بعد: فاتقوا الله عباد الله، واعلموا أن الصيام حتى يكون له أبلغ الأثر في مضاعفة الثواب، والنجاة من العقاب يحتاج من الصائم أن يحفظ صيامه من الذنوب، لأنه إذا دنّسَ صيامه بتضييع صلاة الجماعة، وتأخير الصلاة عن وقتها، وغيرها من الذنوب صار صومه ضعيفاً لا يمنعه من النار، قال ﷺ: “وَالصَّوْمُ جُنَّةٌ مَا لَمْ يَخْرِقْهَا” أي بالذنوب، بل إنّ تمادي الصائم في الخطايا قد يؤدي إلى رَدِّ صومه عليه فلا يُثاب عليه كما قال ﷺ: “رُبَّ صَائِمٍ لَيْسَ لَهُ مِنْ صِيَامِهِ إِلَّا الْجُوعُ، وَرُبَّ قَائِمٍ لَيْسَ لَهُ مِنْ قِيَامِهِ إِلَّا السَّهَرُ” وقال ﷺ: «مَنْ لَمْ يَدَعْ قَوْلَ الزُّورِ وَالعَمَلَ بِهِ وَالجَهْلَ، فَلَيْسَ لِلَّهِ حَاجَةٌ أَنْ يَدَعَ طَعَامَهُ وَشَرَابَهُ» رواه البخاري.

عباد الله: جَمِّلوا صيامَكم وكمّلوه بِفعلِ سُننه كتعجيل الفِطر وتأخيرِ السُّحور، والإفطارِ على تمر فإن لم يجد فليفطرْ على ماء، وجمّلوه بالحِلْم والصبر، والجود والإحسان، ومقابلة السيئة بالحسنة، قال بعض السلف: «إِذَا صُمْتَ فَلْيَصُمْ سَمْعُكَ وَبَصَرُكَ وَلِسَانُكَ عَنِ الْكَذِبِ، وَدَعْ عَنْكَ أَذَى الْخَادِمِ، وَلْيَكُنْ عَلَيْكَ سَكِينَةٌ وَوَقَارٌ، وَلَا تَجْعَلْ يَوْمَ صَوْمِكَ وَيَوْمَ فِطْرِكَ سَوَاءً»، وتذكروا عبادَ الله أنَّ الصوم ما شُرع إلا لتحقيقِ تقوى الله كما قال تعالى: “يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ”.

اللهم احفظ صيامنا وتقبل صالح أعمالنا، وتجاوز عن تقصيرنا يا رب العالمين. اللهم أعز الإسلام والمسلمين، وأذِلَّ الشرك والمشركين، وانصر عبادك الموحدين، اللهم وفق إمامنا وولي عهده بتوفيقك وأيدهم بتأييدك وارزقهم البطانة الصالحة الناصحة، اللهم أَمّن حدودنا واحفظ جنودَنا، واجعل هذا البلد آمناً مطمئناً وسائر بلاد المسلمين، اللهم اغفر للمسلمين والمسلمات، والمؤمنين والمؤمنات، اللهم آتنا في الدنيا حسنة، وفي الآخرة حسنة، وقنا عذاب النار. اللهم صلِّ وسلم على عبدك ورسولك محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.