خطبة النصيحة بتعجيل حج الفريضة الشيخ علي بن يحيى الحدادي

النصيحة بتعجيل حج الفريضة
الجمعة 19 أفريل 2024    الموافق لـ : 10 شوال 1445

تفريغ الخطبة

الحمدُ لله الذي فرض حج البيت على العباد، وجعل فيه منافع للعاكف فيه والباد، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، وعدَ مَن حجَّ بالجِنَان، والعفوِ والغُفران، إذا أحسنَ القصدَ وأتى بالمناسكِ على السداد، صلى الله عليه وعلى آلهِ وصحبه وسلم تسليماً لا نهايةَ ولا نفاد.

أما بعد: فاتقوا الله عبادَ الله، وسارعوا إلى أداءِ الواجبات، واستكثروا من الطاعات، فالدنيا دارُ العمل، والآخرةُ دارُ الجزاء، قال تعالى: ﴿‌وَسَارِعُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّمَاوَاتُ وَالْأَرْضُ أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ﴾

عباد الله: إنّ من أعظمِ الواجباتِ الحجَّ إلى البيتِ الحرام، فقد أوجبَ اللهُ حج بيتهِ وجوباً عينياً على كل مسلمٍ ومسلمةٍ، في العُمرِ مَرّةً واحدة، تخفيفاً من الله ورحمة، قال تعالى ﴿وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ ‌حِجُّ ‌الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلًا وَمَنْ كَفَرَ فَإِنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ عَنِ الْعَالَمِينَ﴾ وقال ﷺ: «‌الْحَجُّ ‌مَرَّةً، فَمَنْ زَادَ فَهُوَ تَطَوُّعٌ» رواه أحمد.

وإذا كان الحجُ واجباً فلا يجوزُ للمسلم إذا كان مستطيعاً أن يُسوِّفَ في أداءِ فرضِه، بل يجبُ عليه المبادرةُ إليه على الفور؛ لقولهِ ﷺ «‌تَعَجَّلُوا ‌إِلَى ‌الْحَجِّ – يَعْنِي: الْفَرِيضَةَ – فَإِنَّ أَحَدَكُمْ لَا يَدْرِي مَا يَعْرِضُ لَهُ» رواه أحمد.

عبادَ الله:

إنّ ناساً كانوا أحياءَ أَصِحّاءَ مقتدرين، فتمادى بهم التسويفُ في حج الفريضة حتى ماتَ الحيُّ، ومرِضَ الصحيحُ وافتقرَ الغني، فعرّضوا أنفسَهم للوعيدِ الشديد، وحرَموا أنفسَهم من خيرٍ عظيم، قال الآجرّي رحمه الله : “فَإِذَا اسْتَطَاعَ الرَّجُلُ الْحَجَّ فَقَدْ وَجَبَ عَلَيْهِ الْحَجُّ، فَإِذَا تَخَلَّفَ بَعْدَ وُجُوبِهِ فَعَظِيمٌ شَدِيدٌ، فلَيْسَ مِنْ أَخْلَاقِ الْمُسْلِمِينَ التَّوَانِي عَنْ فَرِيضَةٍ مِنْ فَرَائِضِ مَا بُنِيَ الْإِسْلَامُ عَلَيْهِ. وَرُوِيَ عَنْ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّهُ قَالَ: «مَنْ مَاتَ وَلَمْ يَحُجَّ وَهُوَ يَجِدُ سَعَةً فَلْيَمُتْ إِنْ شَاءَ يَهُودِيًّا، وَإِنْ شَاءَ نَصْرَانِيًّا، وَلَقَدْ هَمَمْتُ أَنْ أَبْعَثَ رِجَالًا إِلَى الْأَمْصَارِ فَيَنْظُرُونَ مَنْ كَانَ لَهُ سَعَةٌ وَلَمْ يَحُجَّ أَنْ يَضْرِبُوا عَلَيْهِ الْجِزْيَةَ، وَاللَّهِ ‌مَا ‌هُمْ ‌بِمُسْلِمِينَ، وَاللَّهِ ‌مَا ‌هُمْ ‌بِمُسْلِمِينَ» وَرُوِيَ عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، عَنِ النَّبِيِّ ﷺ قَالَ: «مَنْ مَلَكَ زَادًا وَرَاحِلَةً تُبَلِّغُهُ فَلَمْ يَحُجَّ إِلَى بَيْتِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ فَلَا يَضُرُّهُ يَهُودِيًّا مَاتَ أَوْ نَصْرَانِيًّا»…وعن سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ أَنَّهُ قَالَ: «لَوْ مَاتَ جَارٌ لِي وَهُوَ مُوسِرٌ وَلَمْ يَحُجَّ لَمْ أُصَلِ عَلَيْهِ» انتهى كلامه باختصار رحمه الله.

فاتق الله يا مَن لم تحجَّ فرضك إلى اليوم مع قدرتك عليه، تُبْ إلى ربِّك، وشّمرْ عن ساعِدِ جِدِّك، وابذل غاية جُهدِك، لتدرك حجَّ هذا العامِ إن كنتَ مقتدراً قبل أن يفوتَ عليك كما فاتكَ ما قبله من المواسم. بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم ونفعني وإياكم بهدي سيد المرسلين أقول هذا القول وأستغفر الله لي ولكم من كل ذنب فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم

الخطبة الثانية

الحمد لله على إحسانه والشكر له على توفيقه وامتنانه وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله الداعي إلى رضوانه صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه وسلم تسليما.

 أما بعد: فاتقوا الله تعالى، وجاهدوا أنفسكم على طاعة ربكم تهتدوا، ورابطوا على فعل أوامره واجتناب نواهيه تفلحوا، قال تعالى ﴿‌وَالَّذِينَ ‌جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا وَإِنَّ اللَّهَ لَمَعَ الْمُحْسِنِينَ﴾ وقال تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اصْبِرُوا وَصَابِرُوا ‌وَرَابِطُوا وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ﴾

إخوة الإيمان:

إن الحج والعمرة من أجل الأعمال الصالحة، من أداها كما شرع الله فاز بخير الدنيا والآخرة، فهما من أسباب مغفرة الذنوب، ودخول الجنان، والبركة في الرزق، قال ﷺ : «من حَجَّ لِلَّهِ، ‌فَلَمْ ‌يَرْفُثْ وَلَمْ يَفْسُقْ، رَجَعَ كيوم ولدته أمه» متفق عليه.

وقال ﷺ: «الْعُمْرَةُ إِلَى الْعُمْرَةِ كَفَّارَةٌ لِمَا بَيْنَهُمَا، وَالْحَجُّ ‌الْمَبْرُورُ ‌لَيْسَ لَهُ جَزَاءٌ إِلَّا الْجَنَّةَ» متفق عليه.

وقال ﷺ: «تَابِعُوا بَيْنَ الحَجِّ وَالعُمْرَةِ، فَإِنَّهُمَا ‌يَنْفِيَانِ ‌الفَقْرَ وَالذُّنُوبَ كَمَا يَنْفِي الكِيرُ خَبَثَ الحَدِيدِ، وَالذَّهَبِ، وَالفِضَّةِ، وَلَيْسَ لِلْحَجَّةِ المَبْرُورَةِ ثَوَابٌ إِلَّا الجَنَّةُ» رواه الترمذي وصححه.

وفي الحج من المنافع العامة والخاصة والعاجلة والآجلة ما نعلم وما لا نعلم قال تعالى ﴿وَأَذِّنْ فِي النَّاسِ بِالْحَجِّ يَأْتُوكَ رِجَالًا وَعَلَى كُلِّ ضَامِرٍ يَأْتِينَ مِنْ كُلِّ فَجٍّ عَمِيقٍ . ‌لِيَشْهَدُوا مَنَافِعَ لَهُمْ﴾

فالحمد لله على نعمةِ الإسلام، ونعمةِ الصيامِ والقيام، ونعمةِ الحجِّ إلى البيتِ الحرام، جعلني اللهُ وإياكم من يُعظِّمُ شعائرَه، وعَمَرَ بالتقوى باطنَه وظاهرَه، إنه سميع مجيب الدعاء. اللهم أعزَّ الإسلام والمسلمين، وأذلّ الشركَ والمشركين، اللهم وفق إمامنا خادمَ الحرمين الشريفين، ووليَّ عهدِه الأمين، وارزقهم البطانَةَ الصالحةَ الناصحةَ يا ربَّ العالمين. اللهم آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار، اللهم اغفر للمسلمين والمسلمات والمؤمنين والمؤمنات الأحياء منهم والأموات. اللهم صل وسلم على عبدك ورسولك محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.