خطبة هدايات الإيمان الشيخ عبد الرزاق بن عبد المحسن البدر

هدايات الإيمان
الجمعة 11 فيفري 2011    الموافق لـ : 07 ربيع أول 1432
تحميل الخطبة

تفريغ الخطبة

هدايات الإيمان

خطبة جمعة بتاريخ / 8-3-1432 هـ

 

الحمد لله الذي من علينا بالإيمان ، وهدانا للإسلام ، وجعلنا من أمة محمدٍ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خيرِ الأنام ، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له الملكِ العلام ، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله ، وصفيه وخليله ، وأمينه على وحيه ، ومبلغُ الناس شرعه ؛ صلواتُ الله وسلامه عليه وعلى آله وصحبه أجمعين .. أما بعد :

أيها المؤمنون : اتقوا الله تعالى وراقبوه جل شأنه في سراءِكم وضراءِكم ، وشدتِكم ورخاءكم ، وفي جميع شئونِكم ؛ فإن تقوى الله عز وجل فيها الفلاحُ والسعادة والرفعةُ في الدنيا والآخرة .

أيها المؤمنون : واحمدوا الله جل وعلا حمداً كثيراً طيباً مباركاً فيه على مِنَة الإيمان ؛ فإنها أعظم مِنَة وأجلُّ عطية.

أيها المؤمنون : إن هدايات الإيمان لعبدِ اللهِ المؤمن في هذه الدار وفي دار القرار بابٌ واسع مليء بالخيرات والبركات وأنواع العطايا والهبات ، فلا يزال المؤمن يتقلب في هدايات إيمانه من خير إلى خير ومن فضيلة إلى فضيلة، وفي هذا يقول عليه الصلاة والسلام : (( عَجَبًا لِأَمْرِ الْمُؤْمِنِ إِنَّ أَمْرَهُ كُلَّهُ خَيْرٌ وَلَيْسَ ذَاكَ لِأَحَدٍ إِلَّا لِلْمُؤْمِنِ إِنْ أَصَابَتْهُ سَرَّاءُ شَكَرَ فَكَانَ خَيْرًا لَهُ وَإِنْ أَصَابَتْهُ ضَرَّاءُ صَبَرَ فَكَانَ خَيْرًا لَهُ )) .

والمؤمن عباد الله بما أكرمه الله سبحانه وتعالى به من معاني الإيمان العظيمة وحقائقهِ القويمة وأصولهِ الراسخة وأركانه الثابتة لا يزال قوي القلب ثابت النفس مقبِلاً على الله عز وجل راجياً طامعاً مُؤَمِلاً في ربه ومولاه أن يوفقه وأن لا يكِله إلى نفسه طرفة عين .

أيها المؤمنون: هداياتُ الإيمان بابٌ عجب وأمرٌ عظيم لمن يكرمُه الله جل شأنه بإيمان ثابت في قلبه تُعمَر به القلوب ويستقر في النفوس ؛ فيكون المؤمن مع هذه الهدايات متقلبا في فضائل وخيرات في جميع أحواله : في الأمور السارات المفرحات ، وفي المصائب والكربات والشدات ، وفي حال قيامه بالعبادات وأنواع الطاعات ، وكذلك في حال وقوعه في شيء من الخطايا والسيئات ؛ فهو في جميع أحواله يفزع إلى الإيمان ويلجئ إلى حقائق الدين فيُهدى إلى صراط مستقيم .

  • فعند المسار والأمور المفرحات : يهديه إيمانه إلى أن ما حازه من نعمة وناله من فضيلة هو محض مِنّة الله عليه وفضله جل شأنه ؛ فيحمد الله ويثني عليه خيرا على منه وعطائه ويضيف النعمة إلى مسديها ولا يستعملها إلا في طاعته ورضاه .
  • وعند المصائب والشدائد والمكروهات : يهديه إيمانه إلى أن ما أصابه لم يكن ليخطئه ، وأن الأمور كلها بيد الله جل شأنه ، وأنه لا راد لقضائه ، وأن مشيئته نافذة وقدرته جل وعلا شاملة ؛ فيرضى عن الله ويرضى بالله ويسلِّمُ أمره لله ، وهو في الوقت نفسه يرجو من الله جل شأنه الفرج ويؤمل في المثوبة والأجر فلا يَعدَم في مصابه خيرا .
  • وفي حال طاعته وإقباله على الله عز وجل : يعلم أن هذه الهداية للإيمان والتوفيق للإسلام هي مِنّة الله جل وعلا عليه ) وَلَوْلَا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ مَا زَكَا مِنْكُمْ مِنْ أَحَدٍ أَبَدًا وَلَكِنَّ اللَّهَ يُزَكِّي مَنْ يَشَاءُ ( [النور:21] فيحمده جل وعلا على أن هداه للإيمان ويسّره لسبيل أهل الإسلام ، ويسأله جل وعلا الثبات على ذلك إلى أن يلقى الله .
  • وعند وقوعه في شيء من المعاصي والخطيئات : يهديه إيمانه إلى اللجوء إلى الله والتوبة إليه وملازمة الاستغفار وأن يُتبِع السيئة بالحسنات ؛ فإن الحسنة تمحو بإذن الله تبارك وتعالى السيئات ) إِنَّ الْحَسَنَاتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئَاتِ ( [هود:114].
  • § وفي حال أمنه وطمأنينته وقراره : يعلم بإيمانه أن الأمن منة الله جل شأنه ) الَّذِي أَطْعَمَهُمْ مِنْ جُوعٍ وَآَمَنَهُمْ مِنْ خَوْفٍ ( [قريش:4] ففي حال أمنه لا يصاب ببطر ولا أشر ؛ بل يعلم أن هذا الأمن هو منة الله عز وجل فيحمد الله عز وجل على هذه النعمة ويسأله جل شأنه المزيدَ من فضله .
  • وفي حال خوفه وقلقه واضطرابه : يفزع إلى الإيمان فيهديه إيمانه إلى اللجوء إلى الله عز وجل والفزع إليه والثقة به جل شأنه فيضمحل خوف قلبه ويتحول إلى أمن واطمئنان ) الَّذِينَ قَالَ لَهُمُ النَّاسُ إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُوا لَكُمْ فَاخْشَوْهُمْ فَزَادَهُمْ إِيمَانًا وَقَالُوا حَسْبُنَا اللَّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ  (173) فَانْقَلَبُوا بِنِعْمَةٍ مِنَ اللَّهِ وَفَضْلٍ لَمْ يَمْسَسْهُمْ سُوءٌ وَاتَّبَعُوا رِضْوَانَ اللَّهِ وَاللَّهُ ذُو فَضْلٍ عَظِيمٍ (174) إِنَّمَا ذَلِكُمُ الشَّيْطَانُ يُخَوِّفُ أَوْلِيَاءَهُ فَلَا تَخَافُوهُمْ وَخَافُونِ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ  ( [آل عمران:173-175].

وهكذا أيها المؤمنون نجد أن المؤمن في ضوء هدايات الإيمان وتسديداته يتقلب في جميع أحواله من خيرات إلى خيرات ، ومن فضائل إلى فضائل .. إلى أن تتوج هذه الهدايات بالهداية العظمى والكرامة الكبرى يوم يلقى الله جل وعلا فيفوز بالهداية إلى جنته والتشرف برؤيته ، وهذه أيها المؤمنون أعظم كرامة ، وحينذاك يقول أهل الإيمان حامدين شاكرين على هذه الهداية العظمى : ) الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي هَدَانَا لِهَذَا وَمَا كُنَّا لِنَهْتَدِيَ لَوْلَا أَنْ هَدَانَا اللَّهُ ( [الأعراف:43].  

أسأل الله عز وجل أن يكرمنا بهذه الكرامة ، وأن يهدينا لذلك وإلى كل خير ، وأن لا يكلنا إلى أنفسنا طرفة عين. أقول هذا القول وأستغفر الله لي ولكم ولسائر المسلمين من كل ذنب فاستغفروه يغفر لكم إنه هو الغفور الرحيم .

 

 

الخطبة الثانية :

الحمد لله حمداً كثيراً طيباً مباركاً فيه كما يحب ربنا ويرضى ، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له ، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله ؛ صلى الله وسلم عليه وعلى آله وصحبه أجمعين .

أما بعد – عباد الله- اتقوا الله تعالى .

يقول الله عز وجل في بيان هدايات الإيمان وفضائله وكراماته : ) إِنَّ الَّذِينَ آَمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ يَهْدِيهِمْ رَبُّهُمْ بِإِيمَانِهِمْ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهِمُ الْأَنْهَارُ فِي جَنَّاتِ النَّعِيمِ  ( [يونس:9]. ويقول جل شأنه  ):وَمَنْ يُؤْمِنْ بِاللَّهِ يَهْدِ قَلْبَهُ وَاللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ ( [التغابن:11] . تأمل رعاك الله ) يَهْدِيهِمْ رَبُّهُمْ بِإِيمَانِهِمْ ( : أي بسبب الإيمان وبما منّ الله جل وعلا عليهم به من إيمان ، يهديهم إلى ماذا ؟ حذف المتعلق ليعم كل هداية وفضيلة وخير وكرامة في الدنيا والآخرة . فأمِّلوا أيها المؤمنون بربكم خيرا ، واسألوه جل وعلا من فضله ، واعملوا على تحقيق الإيمان لتفوزوا بهداياته ، ومن فاز بهدايات الإيمان فاز فوزا عظيما .

وصَلُّوا وسلِّموا -رعاكم الله- على محمّد بن عبد الله كما أمركم الله بذلك في كتابه فقال: ) إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيماً( [الأحزاب:56] ، وقال صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (( مَنْ صَلَّى عَلَيَّ وَاحِدَةً صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ عَشْرًا )) ، اللهم صلِّ على محمد وعلى آل محمد كما صليت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم إنّك حميد مجيد ، وبارك على محمد وعلى آل محمد كما باركت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم إنّك حميد مجيد .

وارضَ اللَّهم عن الخلفاء الراشدين الأئمة المهديين أبي بكر وعمر وعثمان وعلي ، وارض اللهم عن الصحابة أجمعين ، وعن التابعين ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين ، وعنا معهم بمنـِّك وكرمك وإحسانك يا أكرم الأكرمين .

اللهم أعز الإسلام والمسلمين ، وأذل الشرك والمشركين ، ودمر أعداء الدين ، واحمِ حوزة الدين يا رب العالمين .. اللهم آمنا في أوطاننا ، وأصلح أئمتنا وولاة أمورنا ، واجعل ولايتنا فيمن خافك واتقاك واتبع رضاك يا رب العالمين .. اللهم وفق ولي أمرنا لهداك واجعل عمله في رضاك .

اللهم آتِ نفوسنا تقواها ، زكها أنت خير من زكاها ، أنت وليها ومولاها ، اللهم إنا نسألك الهدى والتقى والعفة والغنى ، اللهم إنا نسألك الهدى والسداد ، اللهم اهدنا فيمن هديت وعافنا فيمن عافيت اللهم ولا تكلنا إلى أنفسنا طرفة عين وأصلح لنا شأننا كله ، اللهم أصلح لنا ديننا الذي هو عصمة أمرنا ، وأصلح لنا دنيانا التي فيها معاشنا ، وأصلح لنا آخرتنا التي فيها معادنا ، واجعل الحياة زيادة لنا في كل خير والموت راحة لنا من كل شر ..

اللهم إنا نعوذ بك من الفتن كلها ما ظهر منها وما بطن اللهم إنا نسألك الأمن والإيمان والسلامة والإسلام اللهم أعنا ولا تعن علينا، وانصرنا ولا تنصر علينا ، وامكر لنا ولا تمكر علينا ، واهدنا ويسّر الهدى لنا ، وانصرنا على من بغى علينا .. اللهم اجعلنا لك شاكرين ، لك ذاكرين ، إليك أوّاهين منيبين ، لك مخبتين ، لك مطيعين . اللهم تقبل توبتنا ، واغسل حوبتنا ، وثبِّت حجتنا ، واهد قلوبنا ، وسدد ألسنتنا ، واسلل سخيمة صدورنا .. اللهم اغفر لنا ذنبنا كله ؛ دقه وجله ، أوله وآخره ، سره وعلنه .. اللهم اغفر لنا ولوالدينا وللمسلمين والمسلمات والمؤمنين والمؤمنات الأحياء منهم والأموات ، اللهم زينا بزينة الإيمان اللهم زينا بزينة الإيمان اللهم زينا بزينة الإيمان واجعلنا هداة مهتدين .

ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار . ربنا إنا ظلمنا أنفسنا وإن لم تغفر لنا وترحمنا لنكونن من الخاسرين اللهم اغفر لموتى المسلمين ، اللهم ارحمهم يا رحمن يا رحيم ، اللهم واشف مرضانا ومرضى المسلمين ، اللهم اهدنا جميعاً إليك صراطاً مستقيما ، اللهم لا تكلنا إلى أنفسنا طرفة عين .

وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين وصلى الله وسلم وبارك وأنعم على عبده ورسوله نبينا محمد وآله وصحبه أجمعين .