تفريغ الخطبة
النَّهْيُ عَن التَّبَاغُضِ وَذِكْر مُوجِبَاتِهِ
خطبة جمعة بتاريخ / 3-2-1435 هـ
إنَّ الحمد لله ؛ نحمده ونستعينه ونستغفره ونتوب إليه ، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا ؛ من يهده الله فلا مضل له ، ومن يضلل فلا هادي له ، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له ، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله ؛ صلى الله وسلَّم عليه وعلى آله وصحبه أجمعين .
أمَّا بعد أيها المؤمنون عباد الله : اتقوا الله تعالى ، وراقبوه سبحانه مراقبة من يعلم أن ربه يسمعه ويراه . وتقوى الله جل وعلا : عملٌ بطاعة الله على نورٍ من الله رجاء ثواب الله ، وتركٌ لمعصية الله على نورٍ من الله خيفة عذاب الله.
أيها المؤمنون: إنَّ من جزيل النِّعم وعظيم المنن التأليفَ بين القلوب من بعد شتاتها وفُرقتها ، وهي نعمةٌ عظمة ومنَّةٌ كبرى تُذكر فتُشكر ، يقول الله تبارك وتعالى: { وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا وَلَا تَفَرَّقُوا وَاذْكُرُوا نِعْمَتَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنْتُمْ أَعْدَاءً فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُمْ بِنِعْمَتِهِ إِخْوَانًا}[آل عمران:130] ، ويقول الله تبارك وتعالى: { هُوَ الَّذِي أَيَّدَكَ بِنَصْرِهِ وَبِالْمُؤْمِنِينَ (62) وَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ لَوْ أَنْفَقْتَ مَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا مَا أَلَّفْتَ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ وَلَكِنَّ اللَّهَ أَلَّفَ بَيْنَهُمْ}[الأنفال:62-63] ، ويقول الله تبارك وتعالى: { إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ }[الحجرات:10] .
عباد الله : إنَّ هذه النعمة ينبغي لأهل الإيمان أن يعرفوا لها قدرها وأن يعرفوا لها مكانتها وأن يعملوا على توطيدها والتمكين لها وأن يبتعدوا عن كل سببٍ ينقضها أو يخرمها ، ولهذا جاءت النصوص الكثيرة في التحذير من التباغض والتدابر والتهاجر والتقاطع إلى غير ذلكم من الأمور المخلَّة بهذه الألفة الناقضة لعراها ، روى الإمام أحمد والترمذي والبزار وغيرهم عن الزبير ابن العوام رضي الله عنه قال : قال النبي صلى الله عليه وسلم : ((دَبَّ إِلَيْكُمْ دَاءُ الْأُمَمِ قَبْلَكُمْ ؛ الْحَسَدُ وَالْبَغْضَاءُ ، وَالْبَغْضَاءُ هِيَ الْحَالِقَةُ ، لَا أَقُولُ تَحْلِقُ الشَّعْرَ وَلَكِنْ تَحْلِقُ الدِّينَ)) ، وله شاهد في الأدب المفرد للإمام البخاري من حديث أبي هريرة رضي الله عنه ، وقد صح عن نبينا عليه الصلاة والسلام في غير ما حديث النهيُ عن التباغض والتحذيرُ منه ، والتباغض -معاشر المؤمنين- يترتب عليه من الأضرار والأخطار وشتات الأمة وفرقتها ما الله سبحانه وتعالى به عليم .
أيها المؤمنون عباد الله : والنهي عن التباغض نهيٌ عنه وعن كلِّ سبب مفضٍ إليه ؛ ولهذا -عباد الله- يجب على كل عبدٍ مؤمن أن يتجنب كلَّ أمر يفضي إلى التباغض ويؤدي إليه ، وهذه وقفة تحذير وتذكير من جملة من الأمور توجب التباغض وتكون سببًا لوجوده ووقوعه ، ومطلوبٌ من المسلم أن يعرفها ليتقي ذلك .
معاشر المؤمنين : لنتقي الله جل وعلا ، ولنحرص على تثبيت هذه الأخوَّة وتمكينها ، ولنبتعد عن كلِّ سببٍ ينقضها أو ينقصُها أو يخِلُّ بها . ونسأل الله جل في علاه بأسمائه الحسنى وصفاته العليا أن يؤلِّف بين قلوبنا ، وأن يصلح ذات بيننا ، وأن يصلح لنا شأننا كله ، وأن لا يكلنا إلى أنفسنا طرفة عين ، وأن يهدينا إليه صراطًا مستقيما .
أقول هذا القول وأستغفر الله لي ولكم ولسائر المسلمين من كل ذنب فاستغفروه يغفر لكم إنه هو الغفور الرحيم .
الخطبة الثانية :
الحمد لله حمد الشاكرين ، وأثني عليه ثناء الذاكرين ، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له ، وأشهد أنَّ محمداً عبده ورسوله ؛ صلى الله وسلَّم عليه وعلى آله وصحبه أجمعين .
أما بعد أيها المؤمنون عباد الله : اتقوا الله تعالى ؛ فإنَّ من اتقى الله وقاه ، وأرشده إلى خير أمور دينه ودنياه.
أيها المؤمنون عباد الله : روى مسلم في صحيحه والإمام أحمد في مسنده عن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلَّم قال : ((إِنَّ اللَّهَ يَرْضَى لَكُمْ ثَلَاثًا : أَنْ تَعْبُدُوهُ وَلَا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا ، وَأَنْ تَعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا وَلَا تَفَرَّقُوا ، وَأَنْ تُنَاصِحُوا مَنْ وَلَّاهُ اللَّهُ أَمْرَكُمْ)) . وهذه الأمور الثلاثة -عباد الله- بتحقيقها والعناية ينتظم أمر المسلمين وتتحقق لُحمتهم وتزول عنهم الشرور والفتن بإذن الله تبارك وتعالى .
فلنحرص -يا رعاكم الله- على الاستمساك بالسنة والاعتصام بهدي النبي الكريم صلى الله عليه وسلم ، ولنبتعد عن كلِّ أمر يسبِّب الشتات والفرقة والعداوة والبغضاء . ونسأل الله عز وجل أن يصلح أحوالنا أجمعين ، وأن يعيذنا من الفتن ما ظهر منها وما بطن .
واعلموا أن أصدق الحديث كلام الله ، وخير الهُدى هدى محمد صلى الله عليه وسلم ، وشر الأمور محدثاتها ، وكل محدثةٍ بدعة ، وكل بدعة ضلالة ، وكل ضلالة في النار ، وعليكم بالجماعة فإن يد الله على الجماعة .
وصلُّوا وسلِّموا -رعاكم الله- على محمد ابن عبد الله كما أمركم الله بذلك في كتابه فقال : ﴿ إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيماً ﴾ [الأحزاب:٥٦] ، وقال صلى الله عليه وسلم: ((مَنْ صَلَّى عَلَيَّ صَلَاةً صَلَّى الله عَلَيْهِ بِهَا عَشْرًا)) .
اللهم صلِّ على محمدٍ وعلى آل محمد كما صلَّيت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم إنَّك حميدٌ مجيد ، وبارك على محمدٍ وعلى آل محمد كما باركت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم إنَّك حميدٌ مجيد . وارضَ اللهمَّ عن الخلفاء الراشدين الأئمة المهديين ؛ أبى بكرٍ وعمرَ وعثمانَ وعلي ، وارضَ اللهمَّ عن الصحابة أجمعين ، وعن التابعين ومن تبعهم بإحسانٍ إلى يوم الدين ، وعنَّا معهم بمنِّك وكرمك وإحسانك يا أكرم الأكرمين .
اللهم أعزَّ الإسلام والمسلمين ، اللهم انصر من نصر دينك وكتابك وسنة نبيك محمد صلى الله عليه وسلم ، اللهم انصر إخواننا المسلمين المستضعفين في كل مكان ، اللهم كن لهم ناصرًا ومُعينا وحافظًا ومؤيدا ، اللهم وعليك بأعداء الدين فإنهم لا يعجزونك ، اللهم إنا نجعلك في نحورهم ، ونعوذ بك اللهم من شرورهم .
اللهم آمِنَّا في أوطاننا ، وأصلح أئمتنا وولاة أمورنا ، واجعل ولايتنا فيمن خافك واتقاك واتبع رضاك يا رب العالمين. اللهم وفِّق ولي أمرنا لهداك واجعل عمله في رضاك وأعنه على طاعتك وسدِّده في أقواله وأعماله يا رب العالمين .
اللهم آت نفوسنا تقواها ، وزكها أنت خير من زكاها ، أنت وليها ومولاها . اللهم إنا نسألك الهدى والتقى والعفة والغنى ، اللهم اغفر لنا ذنبنا كله ؛ دقه وجله ، أوله وآخره ، علانيته وسره ، اللهم اغفر لنا ولوالدينا وللمسلمين والمسلمات والمؤمنين والمؤمنات الأحياء منهم والأموات .
اللهم إنا نستغفرك إنك كنت غفارا فأرسل السماء علينا مدرارا ، اللهم إنا نسألك بأسمائك الحسنى وصفاتك العليا وبأنك أنت الله لا إله إلا أنت يا من وسعت كل شيء رحمة وعلما أن تنزِّل علينا الغيث ولا تجعلنا من القانطين ، اللهم اسقنا وأغثنا ، اللهم اسقنا وأغثنا ، اللهم اسقنا وأغثنا ، اللهم إنا نسألك غيثًا مغيثا ، هنيئًا مريئا، سحًا طبقا ، نافعًا غير ضار ، عاجلا غير آجل ، اللهم أغث قلوبنا بالإيمان وديارنا بالمطر ، اللهم أغثنا ، اللهم أغثنا ، اللهم أغثنا ، اللهم أعطنا ولا تحرمنا ، وزدنا ولا تنقصنا ، وآثرنا ولا تؤثر علينا . ربنا إنَّا ظلمنا أنفسنا وإن لم تغفر لنا وترحمنا لنكوننَّ من الخاسرين . ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار .
عباد الله اذكروا الله يذكركم ، واشكروه على نعمه يزدكم، )وَلَذِكْرُ اللَّهِ أَكْبَرُ وَاللَّهُ يَعْلَمُ مَا تَصْنَعُونَ ([العنكبوت:45].